لا بد من وضع سؤال الإسلام السياسي في مقدمة تفكيرنا حول ما يجري في عالمنا العربي بل كل الشرق الأوسط، السيناريوهات المتاحة تقول إما أن يتم فرض الديموقراطية بالقوة بنكهة الإسلام السياسي، أو الدخول في صراعات ثقافية شاملة..

قد أختلف مع الكثيرين حول فرضية انتهاء الربيع العربي نهائياً، وخاصة أنه لا يوجد تعريف واضح لمصطلح الربيع العربي، فنحن نختلف في تعريف هذا الربيع بحسب الجغرافيا والاقتصاد، ونرفضه استناداً إلى مرجعياتنا الفكرية والسياسية، ومها كانت الأسباب والتسميات فإن حالة الربيع العربي التي مرت بالعالم العربي خلال العقد الماضي أنتجت انهياراً سياسياً، دفعت ثمنه دول عربية مهمة كانت تشكل محوراً للاستقرار والثبات في المنطقة، وبعد عقد من الزمان أثبتت التجارب أن الربيع العربي حالة سياسية أربكت الفضاء العربي عبر البحث عن الحلول السياسية السليمة لمواجهة نتائج هذا الربيع العربي كما يفضل الغرب أن يسميه، العنوان الأكبر الذي استخدمه الغرب لوصف هذه الحالة العربية أن هذا الربيع سوف ينتج معايير ديموقراطية على غرار ما يحدث في الغرب.

بالمرور على التجربة الغربية في مواجهة الأيديولوجية السوفيتية، فهي لم تهدأ وكانت تثقل كاهل الديموقراطية الغربية بمجملها، ولكن بعد سقوط الاتحاد السوفيتي اختفت تلك القلاقل وتحولت إلى نموذج مختلف من المواجهة، واكتشفت أميركا على وجه الدقة أن سقوط الاتحاد السوفيتي ليس كافياً لتفردها بالقوة الدولية، ولم يكن غياب الشيوعية سوى فرصة لظهور قوميات مختلفة وأشد ضراوة على المنهج الغربي، فالصين تقدم أيديولوجيتها بطريقة أربكت الغرب وسوف تظل كذلك، ولكن السؤال هنا يدور حول علاقة ذلك بما يجري في العالم العربي، وهل تخشى أميركا تضامناً أيديولوجياً يمكن أن تقدمه الصين للمنطقة العربية على حساب الوجود الغربي في المنطقة؟ الغرب يدرك أن الديموقراطية لا يمكن أن تتحقق من دون عملية سياسية قاسية وممتدة يصحبها إراقة الدم ليكون ذلك على حساب عملية قومية مناسبة لخلق الديموقراطية.

الغرب اليوم ينتقل في منطقتنا إلى مرحلة ما بعد الربيع العربي، وخاصة محاولة أميركا تفسير الحالة الثورية العربية التي حدثت خلال العقد الماضي بأنها محاولة تكسير قومي شامل من خلال تجسيد جديد للدولة الوطنية، ومحاولة جعل الدولة الوطنية تسعى إلى ممارسة العدالة والحقوق، ولكن التاريخ دائماً ما أثبت أن الشعوب لا يمكنها أن تتقبل فرض الأنظمة السياسية عليها إلا من خلال استخدام السلطة والقوة، فلم يكتب التاريخ عن دولة غيرت نظامها السياسي لمجرد أن طلب منها أن تفعل ذلك سواء عن طريق السلم أو عن طريق الحرب.

لم تنتهِ فترة الربيع العربي، فما زالت آثارها وسوف تظل لسنوات مقبلة، ولكن ما يحدث في تونس اليوم يثير أسئلة مهمة حول الاندفاع الغر لمناقشة الحدث التونسي، ولكن قبل ذلك يجب التوقف والتفكير بما يحدث في الدول المتناغمة سياسياً وفكرياً مع الإسلام السياسي وفي أفغانستان، وخاصة أن ما يجري يوحي بأن أميركا التي دفعت مليارات الدولارات هناك تهيئ الطريق أمام طالبان لممارسة السلطة من جديد في أفغانستان، وهي تدرك -أي أميركا- أن تطورات الوضع في أفغانستان لا يمكنها ضمان عودة تنظيم القاعدة من جديد، ماذا تريد أميركا من منطقة الشرق الأوسط اليوم؟ هذا هو السؤال الأكبر، ولماذا تهدد بالانسحاب من المنطقة، لقد أصبح من الواضح أن الميول الغامضة لأميركا حول المنطقة تتطلب في المقابل وعياً سياسياً مناسباً، منطقياً هل يمكن القول إن أميركا تؤمن أن الديموقراطية في العالم العربي والشرق الأوسط يمكن أن تقدمها أحزاب أيديولجية؟ تبدو الإجابة صعبة.

العالم العربي خلال الثمانية عقود الماضية ومنذ مجيء إسرائيل إلى المنطقة دخل في حالة ارتباك سياسية متفاوتة في تأثيراتها، وهي حالة مدركة وسهل تصورها عند تقييم الدول العربية وتطوراتها التنموية، ولكن الحقيقة المهمة أن الشرق الأوسط يعاني وسوف يستمر في ذلك، حيث تطورت لديه ثقافات غير قادرة على الصمود، تفاوتت بين الأيديولوجيات والقوميات والليبراليات، المثير للجدل بعد هذه العقود الطويلة أن تتمكن تجربة الإسلام السياسي في الدخول من الأبواب الخلفية للربيع العربي لتقدم نفسها كبديل ديموقراطي فعلي.

لا بد من وضع سؤال الإسلام السياسي في مقدمة تفكيرنا حول ما يجري في عالمنا العربي بل كل الشرق الأوسط، السيناريوهات المتاحة تقول إما أن يتم فرض الديموقراطية بالقوة بنكهة الإسلام السياسي، أو الدخول في صراعات ثقافية شاملة، علينا أن ندرك أن استخدام الإسلام كعنوان حزبي هو أخطر المؤشرات لإعادة العالم العربي إلى المربع رقم واحد، الديموقراطية كما يريدها الغرب مستحيلة وكل ما يجب أن نخشاه حقيقة أن يتم إعادة تعريف الإسلام السياسي من جديد كفرصة قائمة أمام الشعوب العربية لتجربة مذاق ربيع جديد، مراقبة الوضع التونسي سياسياً عملية مهمة لفهم المنتجات المحتملة التي يمكن أن تنشأ لتكون أمثلة قابلة للتطبيق في أكثر من موقع، وهناك فقط سوف ندرك أن الربيع المقبل يخص الإسلام السياسي.