فوجئت بأن حزب الله يحتفل سنويا بذكرى انتصاره في حرب عام 2006. معلومة تنطوي على فضيحة مدوية. غير أنها تكشف عن مستوى الاستخفاف بالحقيقة الذي يمارسه ذلك الحزب، وقبل الحقيقة يقف الشعب اللبناني باعتباره ضحية مزدوجة. ضحية للواقع المزري الذي صنعه حزب الله وضحية لقوة التزوير التي تصفعه علنا أمام العالم.

حين انتهت تلك الحرب اعترف حسن نصرالله بـ”الخطأ” الذي ارتكبه وأدى إلى نشوبها. لم يكن خطأً بل كان جريمة. ذلك لأن الشعب اللبناني هو الذي دفع الثمن. دمرت إسرائيل البنية التحتية للبلد بعد أن قتلت من قتلت ووصلت حشود المشردين إلى دمشق. وما كان في إمكان لبنان أن يستعيد شيئا من أنفاسه لولا المساعدات العربية والعالمية.

كانت تلك الحرب فرصة لكي تفتك إسرائيل بالشعب اللبناني الذي ضحك على نفسه ووقف وراء حزب الله خشية أن يُقال إنه خذل المقاومة. لم يكن الدافع وطنيا ولم تكن الحسابات السياسية حاضرة بل كان هناك نوع من الواجب الأخلاقي. ذلك خطأ ارتكبه اللبنانيون في حق أنفسهم وفي حق بلادهم وفي حق التاريخ. لقد أسسوا يومها قاعدة للتزوير الذي يغلب الحقيقة ويتاجر بها ولو أنهم انتبهوا للمعادلات الخاطئة التي اتبعوها مغمضي الأعين لما انتهوا إلى حاضرهم البائس اليوم.

أخطأ اللبنانيون حين دعموا الجريمة وغطوا عليها بهوس وطني هو عبارة عن مرض أدى في ما بعد إلى أن يُجن الكثيرون بحزب الله الذي بدلا من أن يُدان خرج منتصرا يرفع رايته الصفراء على الخرائب وهو ما دفعه في ما بعد (عام 2008) إلى احتلال بيروت بطريقة سوقية مبتذلة أفصحت عن معدنه الحقيقي، عصابة لا تضم سوى العملاء القتلة الذين يدينون بالولاء لدولة أجنبية هي إيران التي بدأت يومها في تصنيف الملفات اللبنانية حسب ما يروق لها وينسجم مع سياستها في التعامل مع العالم العربي.

الشعب اللبناني ضحك على نفسه ووقف وراء حزب الله خشية أن يُقال إنه خذل المقاومة. وذلك خطأ ارتكبه اللبنانيون في حق أنفسهم وفي حق بلادهم وفي حق التاريخ

لست هنا متأكدا من أن حزب الله يُصدق أكاذيبه. غير أنني على يقين من أنه يصر على كذبته لا من أجل أن يصدقها الغرباء بل من أجل أن يفرضها على أنصاره المضللين الذي لا يشكون بالنصر الإلهي الذي لا يقبل النقاش والمساءلة. هؤلاء على العموم هم ليسوا من البشر الذين يستفهمون ويقبلون على ما يُطرح عليهم من قبل قيادتهم الدينية بالشك. لقد تعلموا أن طاعة ولي الأمر هي جزء من الطاعة الكبرى وهي تسليم بقيم وأفكار المذهب.

قال نصرالله بعد حرب 2006 إنه لو كان يعرف أن ما قام به الحزب يومها يقود إلى دمار لبنان لما أمر الحزب بالقيام بذلك. ذلك اعتراف واضح بمرارة الهزيمة. غير أنه صار يحتفل مع حزبه بذلك الانتصار سنويا. فمَن نصدق، نصرالله المهزوم أم نصرالله المنتصر؟ وما الحاجة إلى كل ذلك العناء في اللف والدوران على الحقيقة التي يمكن التعرف عليها من خلال العودة إلى أرشيف الكارثة.

لا أريد هنا أن أدخل في جدل من ذلك النوع. لست من النوع الذي يتنازل عن عقله من أجل الحوار مع مجانين. القتلة في حزب الله لا يتمتعون بعقل سليم. ليسوا وحدهم يتمتعون بتلك الصفة بل كل مَن يتبع إيران. أما أن يكون لصا وقاتلا قاطع طريق أو أن يكون مجنونا، اختلطت في عقله الوقائع والحقائق والأزمنة فصار يرى ويحس ويفكر بالمقلوب. حزب الله وسواه من أذرع إيران في المنطقة إنما يعتمدون على ذلك النوع من البشر الساقطين أخلاقيا أو المهدمين عقليا.

أما حسن نصرالله فهو يجمع بين النوعين. هو مجنون وقاتل في الوقت نفسه. مريض ومجرم. مريض بالإجرام ومجرم بالسليقة. لقد تربى في سراديب النجف وقم وأجاد اللعب بالدين ومن خلاله بالبشر الهائمين على وجوههم وهم يتبعون رائحة الخرافة التي عمقها الطائفيون من خلال مرويات عن المعصومين لا أصل تاريخيا لها ثم أنها لا تنسجم مع العقل. لقد كان أولئك البشر بالنسبة إلى رجال الدين ونصرالله منهم مجرد قطيع من البهائم يُقاد إلى الذبح حين يشاء الولي الفقيه ذلك.

وبناء على ذلك فإن حزب الله حين يرمي باللبنانيين إلى نار حرب خاسرة فإنه يمنحهم ترف الشهادة. أكثر من 350 ألف عائلة نزحت من بيوتها المهدمة كانت في الحقيقة تقوم بتمرين مسرحي على استقبال الإمام الغائب. وكان نصرالله يرتب مراسيم ذلك اللقاء.

أمام أهالي القتلى يتغنى نصرالله بكل وقاحة بهزيمته.