على الرغم من أنَّ هناك عوامل بيئية وطبيعية، أهمها الماء والنفط، إلا أنَّ العراق لم يكن خلال الـ18 سنة الماضية قادراً على إنتاج سوى ثلثي ما يحتاج إليه من الكهرباء في الوضع الطبيعي، في ظل عدم وجود ماكينة صناعية يتطلب وجودها مضاعفة حصة الطاقة المنتجة.

غير أنّ الحال اليوم بات أسوأ من السنوات، التي شهدت شح التيار الكهربائي الذي يعمل معظمه بقوة محطات الغاز المستورد من إيران، في استثناء دوري من العقوبات الأمريكية.

معركة الكهرباء الجديدة تتمثل في النسف المتكرر لأبراج الضغط العالي لنقل الكهرباء، وتوزيعها في بغداد والمدن الكبرى، وهذا ما جعل الصيف جحيماً على العراقيين، حتى وصل الحال إلى ضرب محطات الكهرباء داخل بغداد، فأدى ذلك إلى قطع المياه الصالحة للشرب عن الملايين في جانب الكرخ من العاصمة، وهذا تطور نوعي في تعرض البنية التحتية لأعمال التخريب ذات الدلالة المقصودة، والتي يبدو أنها مرتبطة بهدف مرسوم، إذْ لم تعد تفجيرات عشوائية في الشوارع والساحات.

خطورة ما يجري في بغداد هو أنَّ هذا الحال السيئ نتاج 18 سنة يقال فيها إنَّ الحياة الجديدة يتم بناؤها للعراقيين من دون جدوى في قطف ثمرة واحدة تخصُّ الحياة المستقرة بالشروط الإنسانية الواجب توافرها في كل دولة.

الجهات الرسمية، تعلن أنَّ تنظيم داعش يقف وراء هذا الاستهداف الواسع المنظم على طول البلاد وعرضها، وهو التنظيم الذي كان قد أُعلنَ القضاء عليه في عام 2017 وبقيت خلاياه نائمة له في الجبال أو الصحارى تنفذ هجمات صغيرة، لكنها لا تمتلك الوسائل اللوجستية للوصول بسهولة إلى العمق المدني العراقي، ولا سيما في العاصمة، وهذا يلقي بظلال التساؤلات الجدية حول الجهات التي قررت فتح معركة تدمير ما تبقَّى من البناء الأساس لمحطات التيار الكهربائي.

في المقابل هناك خليَّة أزمة أمنية جرى تشكيلها ومرتبطة برئيس الوزراء تتولَّى توفير الحماية للأبراج، وهذه مسؤولية أمنية عسكرية معقدة، لأنها تتداخل مع قواطع عمليات عسكرية وإدارات محافظات، وتحتاج إلى موارد بشرية جديدة، ومعدات، ربما لا تتوافر بكميات كافية لتغطية مساحة العراق.

لكن، ليس هناك بديل من إطلاق عمليات أمنية واسعة ودقيقة من أجل حسم هذه المعركة، التي يعني اتساعها شلل الحياة المدنية بالكامل، ثم تحريك الشارع الناقم والذي تتذبذب آراؤه حتى الآن بشأن الانتخابات المزمع عقدها في أكتوبر المقبل، والتي تحمل شعار التغيير، الذي ضعفت الثقة به بعد تجارب متكررة فاشلة.