الهجرة من الشرق إلى أوروبا ليست ظاهرة جديدة، وليست مرتبطة، بالضرورة، بأزمات طاحنة في البلدان الأصلية للمهاجرين، كالحروب الأهلية أو الغزوات، أو بانعدام الحريات، على أنواعها في هذه البلدان، التي تحمل البعض على الهجرة بحثاً عن فضاءات حرية أوسع.
صحيح أن كل ما أتينا عليه هو أسباب رئيسية للهجرة في العقود القليلة الماضية، وكان للمهاجرين من بلدان عربية حصة كبيرة من مجموع المهاجرين في العالم، فقد شهدنا هجرات من العراق، مثلاً، في مراحل مختلفة، وبعض من هاجروا، خاصة من المثقفين والناشطين السياسيين، اضطروا لذلك تحت ضغط القمع والملاحقة، كما هاجرت كفاءات أخرى في مجالات مختلفة، بينها الطب والهندسة والعلوم، بسبب تدهور الأوضاع المعيشية من جراء الحروب التي تورط فيها البلد، ومنها الحرب مع إيران، وغزو الكويت وما جرّه من تبعات مؤلمة على البلدين، بما فيها الحصار الذي فرض على الشعب العراقي، وفاقم من ظاهرة الهجرة.
هجرة واسعة أخرى خرجت من سوريا من جراء الحرب الأهلية المستمرة منذ العام 2011 حتى اليوم، وما جرته من خراب ودمار للمدن والبلدات، ومن تدهور في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ويمكن إضافة لبنان أيضاً إلى قائمة البلدان العربية الطاردة، فهو مرشح لأن يشهد المزيد من هجرة أبنائه وبناته، بسبب الوضع المعيشي والأمني المتفاقم، خاصة بعد الانفجار المشؤوم في مرفأ بيروت.
لكن هناك هجرات لم تأت من ضغط العوامل السابقة، ويمكن وصفها بالمنظمة، أي أنها هجرة تمت بموجب اتفاقات بين حكومات البلدان الأصلية ودول أوروبية، كما حدث مع المغرب مثلاً في بدايات النصف الثاني من القرن العشرين حين وقع الملك الراحل الحسن الثاني على مثل هذه الاتفاقات التي قصد فيها عمال وشغيلة مغاربة بلداناً أوروبية للعمل فيها، ونالوا، لاحقاً، جنسيتها.
مناسبة هذا الحديث تصريحات أدلت بها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مؤخراً عن الأثر الإيجابي للهجرة على تطوّر ألمانيا، وقالت ذلك بوضوح لم يجرؤ زعيم ألماني أو أوروبي آخر على التحدث به، ففي العادة يتفادى الزعماء الأوروبيون التعبير صراحة عن هذه الحقيقة، بل إن بعضهم يميل إلى إبراز الأوجه السلبية للهجرة على «نقاء» مجتمعاتهم.
تصريحات ميركل جاءت في حفل أقيم بمناسبة مرور 60 عاماً على توقيع اتفاقية استقدام عمالة مع تركيا، وفيها أكدت أن بلادها تطورت منذ ذلك التاريخ لتصبح بلداً ازدادت قوته بسبب الهجرة الوافدة من دوائر ثقافية مختلفة، موضحة أن المهاجرين الذين يقيمون في ألمانيا ألمان، حتى لو كانت أسماؤهم أجنبية، وأن اندماجهم يجب ألا يستمر لسابع جيل.