فيما يحتفي "حزب الله" بإدخال المازوت الإيراني إلى لبنان، عبر "معابره الحدودية الخاصة" مع سوريا، ويتوسّله في تمويل عملياته السياسية والدعائية، يستعد "الخط العربي" لتوريد الغاز الإسرائيلي الى سوريا، من خلال الأردن، والى لبنان، من خلال سوريا.

وتبرز سوريا المستفيدة الكبرى من هذا الغاز الإسرائيلي، فيما سيكون لبنان "النسيب الفقير"، على اعتبار أنّه لا يستطيع أن يشغّل، بواسطة الغاز، سوى معمل واحد، محدود الإنتاجية، هو دير عمار، في الشمال.

ويعرف جميع المعنيين بعملية ضخ الغاز في "الخط العربي" أنّ الغاز الذي سيتم جرّه الى كل من سوريا ولبنان هو غاز إسرائيلي، ولكنّ هناك اتفاقاً بين "القوى الممانعة" على "إسكات" هذه الحقيقة، نظراً للفوائد المتوقعة للنظام السوري من هذه العملية.

ووفق الخبراء، فإنّ مصر، وفي نقطة العريش، تستقبل الغاز الإسرائيلي، وهي منه سوف تضخه في اتجاه العقبة في الأردن، التي تعود وتضخه في اتجاه نقطة الرحاب في عمّان، التي من خلالها ينطلق الخط العربي في اتجاه سوريا.

ويشير الخبراء الى أنّ الأردن يستقبل الغاز الإسرائيلي في نقطة الرحاب، عملاً باتفاقية بين البلدين تمتد لمدة خمس عشرة سنة، وتالياً إذا لم تضخ عمّان الغاز الذي سوف يردها من العريش الى سوريا، فهي سوف تضخ الغاز الذي يردها من إسرائيل الى نقطة رحاب.

وهذا يعني أنّه سواء ضخّ الأردن الغاز الذي يرده من مصر أو الغاز الذي يرده من إسرائيل، فهو، في كلتا الحالتين، سوف يزوّد سوريا بغاز إسرائيلي، حصراً.

وعليه، إنّ التهليل للاستثناءات الأميركية على "قانون قيصر"، تحت ستار تخفيف العبء عن لبنان، هو تهليل لإدخال النظام السوري، شيئاً فشيئاً، في نظام التطبيع مع إسرائيل، من خلال قطاع الطاقة.

إنّ مصر والأردن، وعلى رأس السطح، يقيمان علاقات مع إسرائيل، ويعقدان معها اتفاقات تكاملية، فيما يزايد "محور الممانعة" في عدائه لإسرائيل، وبحجة "مقاومتها" و"مقاطعتها" و"التصدّي لها" يغرق شعوب الدول التي يسيطر عليها في واحدة من أسوأ الأزمات التي عرفها التاريخ الحديث.

ولكنّ "محور الممانعة" هذا يجد نفسه في وضعية المهلّل للغاز الإسرائيلي الباحث عن زبائن جدد، لأنّه يصب في مصلحته، فهذا الغاز، هو العنوان الوحيد الذي على أساسه تجري عملية "تعويم" بشّار الأسد، بإرادة عربية - إسرائيلية مشتركة، وفي ظل تواطؤ دولي كبير، ومع استمرار المساعي الروسية الهادفة الى تمهيد الطريق الى اتفاق سلام بين نظام بشار الأسد وإسرائيل.

وفوّت لبنان على نفسه إمكان الاستفادة من ثروته النفطية التي يمكن أن تكون كامنة في مناطق بحرية محاذية لإسرائيل، بفعل عملية "مزايدة" وطنية وسياسية وإعلامية، أدّت الى تجميد مفاوضات ترسيم للحقوق كانت الولايات المتحدة الأميركية قد قررت أن ترعاها.

وعجز لبنان عن ترسيم حدوده النفطية مع سوريا، وسط ثبوت التعدي السوري على حقوقه، ولكن حصل أن تواطأ الجميع لإسكات الأصوات المدافعة عن حقوق لبنان هذه، في حملة "مزايدة" من نوع "الأخوة" و"التفاهم" و"المصالح المشتركة".

وباسم تفاقم الحاجة اللبنانية الى مصادر الطاقة، بفعل الانهيار الذي عصف بـ"بلاد الأرز"، دخلت إسرائيل عبر غازها المضخوخ في "الخط العربي" الى سوريا، ليدخل معه ما هو أغلى على النظام السوري: التعويم العربي والدولي.

ويستغل "محور الممانعة" لبنان، بحيث تحرمه سوريا من ثرواته لتتاجر بكارثته، فيما تسقط إيران، من خلال "حزب الله"، دولته وتتسبّب بانهيار منظومة علاقاته الإستراتيجية، لتُدخِل بعد عقيدتها وسلاحها وموادها الغذائية وأدويتها، نفطها اليه، في إطار عملية كبرى تهدف، كما تقول أكثر من مرجعية محلية، إلى تغيير وجه لبنان.