وحتى لو كانت النتائج المعلنة من قبل المفوضية صحيحة ومتطابقة مع مخرجات الأجهزة الإلكترونية التي قد لا تكون تعرضت للتلاعب من قبل شُطار يسرقون الكحل من العين، فالذي لا يمكن إثباته بالأدلة والوثائق هو ما جرى خارج تلك الأجهزة، وقبل وصول المراقبين الدوليين وقبل دخول الناخبين إلى مراكز الاقتراع، مع احتساب عوامل الجهل والتخلف والتعصب الطائفي أو العنصري أو القبلي لدى الملايين من الناخبين.

أما الذي لم تقله المفوضية ولا مندوبة الاتحاد الأوروبي فهو أن موضوع النتائج النهائية قرارٌ إيراني خالص وحده، لا شريك له. فدولة الولي الفقيه هي من تَرفع وتخفض، وتؤتي الملك وتنزعه ممن تشاء في العراق، وليست الحكومة العراقية، ولا مرجعية السيستاني، ولا الأحزاب، ولا الفصائل، ولا مافيات المختلسين والمهربين والمموَّلين من قطر والولايات المتحدة والسعودية وتركيا.

والذي لا يخفى هو أن إيران العراقية اليوم تعاني من وجع رأس عراقي مزمن يتمثل في الهتاف المتكرر المزعج الجارح الذي يتداوله الناشطون العراقيون والقائل “هذا وعَد، هذا وعَد، إيران ما تحكم بعَد”، وهو يعني أن جمر التظاهرات التي انطلقت في 2019 ما زال تحت رمادها، ولن يُغلق الباب عليه ويريحها منه ويستريح سوى (المعارض) لاحتلالها، والمدمن على التظاهر ضد التظاهر. فالناصرية وبغداد والبصرة والنجف وكربلاء لم تجف دماء ناشطيها بعد.

ولفهم الدافع الحقيقي الآخر وراء انقلاب دولة الولي الفقيه على نفسها في العراق هذه المرة ينبغي أن نتذكر أنها بحاجة إلى تبريد خواطر السعوديين، ومن ورائهم الأميركيين، بإقناعهم بأنها عاقبت الحشد الشعبي، كما كانوا يتمنون ويشتهون، وكسرت شوكة الفصائل (المنفلتة) التي تعارض أي تقارب عراقي عربي، ثم جاءت بمقتدى المرضيِّ عنه في السعودية والولايات المتحدة ودول الخليج الأخرى.

يبقى علينا أن ننتظر ما سيفعله قائد فيلق القدس في الحرس الثوري إسماعيل قاآني الذي جاء سريعا لتنسيق المواقف بشأن التحالفات السياسية التي ستدير مرحلة ما بعد فوز التيار الصدري.

هل سيستسلم للأمر الواقع، فيوافق على قيادة مقتدى للدولة الإيرانية الجديدة في العراق أربع سنوات قادمة، أم يرفض ويدفع جحافل الحرس الثوري العراقية (هادي العامري، فالح الفياض، قيس الخزعلي وأبوفدك) إلى رفض نتائج الانتخابات، وافتعال مواجهة بنيران المدافع والمفخخات والكواتم بين ميليشيات إسماعيل قاآني وبين جيش المهدي وسرايا السلام؟ لقد وصف المدعو أبوعلي العسكري الناطق باسم كتائب حزب الله العراقي نتائج الانتخابات بأنها “أكبر عملية احتيال في التاريخ”. ووعد بـ”اتخاذ كل الإجراءات الضرورية لإعادة الأمور إلى نصابها”. ودعا الرفاق في الحشد الشعبي وبدر وعصائب أهل الحق والنجباء إلى الاستعداد لمواجهة المرحلة الحرجة القادمة.

هل هو جاد في دق طبول الحرب، أم هي ثرثرة عابرة من حلاوة الروح؟ الله يستر.