منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، والعالم تتحكم فيه قوتان عظمتان، أميركا والاتحاد السوفييتي إلى أن حانت ساعة روسيا الاتحادية، فحلت أميركا قوة منفرة ومتفردة بالعالم بلا منافس حتى من الاتحاد الأوروبي.

انتهت الحروب الساخنة ولكن مذاك لم تتوقف الحروب الباردة، بل اشتعلت حربان باردتان على جبهتين في آن، بين أميركا وروسيا التي قصت أجنحتها السوفييتية، والصين التي أزاحت اليابان عن عرش الاقتصاد العالمي في مدة قياسية لم تتعد ثلاثة عقود وحلت محلها في المرتبة الثانية بعد أميركا، وهو ما زاد الحرب زمهريرة.

أميركا في اشتباكها مع روسيا والصين في ذات الحرب، ليست على مسافة واحدة معهما، لأن المفارقات شاسعة والفروقات واضحة ومختلفة. أهم فرق جوهري أن الصين ليست دولة تبحث عن النفوذ السياسي وإن كانت تبحث عن النمو، وبلغة الاقتصاد، التي استطاعت أن تحدث بها أميركا حتى أغاظتها وأدخلتها أتون تلك الحرب مع روسيا.

روسيا سابقة والصين لاحقة، وبين الدولتين علاقة إيجابية وفقاً لمصلحة البلدين، إلا أن من مصلحة الولايات المتحدة ضرب المصالح الروسية والصينية ببعضها، وفق اللعبة السياسية التي تجيدها الإدارة الأميركية.

أميركا هنا استخدمت «الناتو» لشن الحرب الباردة ضد روسيا بدل الأسلوب المباشر، وهو ما جاء في كلمة أمين عام الحلف خلال اجتماعه بوزراء دفاع «الناتو» حيث أشار إلى أن (ممثلي روسيا لدى «الناتو» لم يكونوا دبلوماسيين، بل عملاء مخابرات، وسحبنا اعتمادهم لنشاطاتهم الخبيثة.

و القوة الصاروخية لروسيا تمثل تهديدًا لأمننا، وانسحاب بعثتهم من الحلف لا يساعد على الحوار). و قد ردت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية على تلك الاتهامات حين ذكرت بأن (الحلف ليس لديه دليل يشير إلى تورط الموظفين المطرودين من البعثة الدبلوماسية الروسية في المنظمة في أي أنشطة خبيثة. ويجب إدراك أن «الناتو» دمّر العلاقات مع روسيا بشكل منهجي باختيار منطق الحرب الباردة).

نأتي إلى الصين التي صعدت في الوقت الذي كانت أميركا مشغولة بالحرب الباردة مع روسيا، فالمتحدث باسم الخارجية الصينية يقول بأن المزاعم التي قدمتها الولايات المتحدة بأن تطوير الصين للأسلحة سيزيد من سباق التسلح تهدف فقط إلى إلقاء اللوم على الآخرين وتحويل الانتباه. فعلى الولايات المتحدة التوقف عن إثارة ما تقول إنه «تهديد صيني» واستخدام الصين في إثارة المشكلات.

لقد حاولت أميركا مراراً إشراك الصين في القضايا الدولية، ولكن بكين لم تقبل بذلك، لأن «طريق الحرير» همها وليس السياسة. لقد لخصت مجلة «فورين أفيرز» المعضلة الأميركية مع روسيا والصين عندما ذكرت بأن واشنطن لا يمكنها أن تركز على الصين بينما تأمل ببساطة خروج روسيا.و يجب عليها النظر إلى روسيا بأنها قوة ثابتة، ولا تزال المنافس الأساسي للولايات المتحدة في مجال الأسلحة النووية. فموسكو وبكين شكلتا شراكة استراتيجية، حيث تتبادلان الدعم لموازنة الضغط الغربي، وتركيز مواردهما على التنافس مع أميركا.