المبادرة الجريئة التي أعلنها زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، يوم الأحد الماضي، التي دعا فيها إلى تشكيل «حكومة أغلبية سياسية في العراق»، من شأنها أن تأخذ بالعراق مجدداً نحو مسار الإصلاح والتغيير الذي كان السبب المباشر في التعجيل بإجراء الانتخابات البرلمانية قبل موعدها بعام، استجابة لمطالب الحراك الشعبي الذي قاد تظاهرات عام 2019.
مبادرة الصدر جاءت عبر بيان شرح فيه ما يعنيه بتشكيل «حكومة أغلبية سياسية»، حيث شدد على ضرورة أن تكون في البرلمان الجديد الذي جاءت به الانتخابات الأخيرة التي جرت يوم العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الفائت «جهتان: جهة موالاة وهي التي تشكل الحكومة وتأخذ على عاتقها الإصلاحات بمستوياتها كافة، أما الجهة الثانية فهي معارضة»، وزاد بتشديده على ضرورة توافق الجهتين (الحكومة والمعارضة)، وأن تكون استشارتهما ملزمة من دون تهميش، مشيراً إلى أن كل ذلك يجب أن يكون «ضمن أسس الديمقراطية».
هذه المبادرة في حال نجاحها يمكن أن تجدد الأمل في الإصلاح والتغيير، ووضع نهاية لآفة المحاصصة السياسية التي أورثت النظام السياسي العراقي العجز والقصور، وخلقت البيئة المثالية للفساد. فقاعدة توزيع الوزارات على الأحزاب والكتل المشاركة في الحكومات العراقية منذ الانتخابات الأولى عام 2005، كانت تعني بالأساس توزيع الغنائم بين الأحزاب، وتغييب المحاسبة والمراقبة في البرلمان، وهما أساس العمل البرلماني ضمن الوظيفة التشريعية.
نجاح هذه المبادرة يعنى انخراط العراق، لأول مرة منذ الغزو الأمريكي، في نظام حكم ديمقراطي يضم حكومة تمارس السلطة التنفيذية، ومعارضة داخل البرلمان تتولى محاسبة الحكومة، كما تعني إرساء قواعد التعددية السياسية وتداول السلطة بين من يحكمون ومن يعارضون. لكن يبقى السؤال الصعب هو، ما هي فرص نجاح مثل هذه المبادرة؟
حتى الآن يمكن القول إن فرص هذه المبادرة ما زالت ضعيفة لأسباب كثيرة من أبرزها: أولاً بقاء التأثير الخارجي الدولي والإقليمي، فالصراع الدائر الآن بين الفائزين والخاسرين في الانتخابات الأخيرة، مازال محكوماً بإدارة الصراع بين إيران والولايات المتحدة، كما يقال. وقد عبّر مقتدى الصدر مؤخراً، عن هذه «الآفة»، عندما رفض في إحدى «تغريداته» مساء ( 30 أكتوبر 2021) ما أسماه بـ«التدخلات الإقليمية» في نتائج الانتخابات، من دون إشارة إلى «التدخلات الدولية»، أي الأمريكية. وقال في تغريدته «تصل إلينا أخبار مؤكدة لتدخلات إقليمية في الشأن العراقي الانتخابي والضغط على الكتل والجهات السياسية من أجل مصالح خارجية فيها ضرر كبير على العراق وشعبه».
واعتبر الصدر تدخل تلك الأطراف الإقليمية تدخلاً في الشؤون الداخلية، وقال «نحن عراقيون ومشكلاتنا بيننا حصراً، وفي تدخلهم إهانة للعراق وشعبه واستقلاله وهيبته وسيادته».
كما أن الدور المزدوج الذي يلعبه نوري المالكي زعيم «ائتلاف دولة القانون» والخصم اللدود لمقتدى الصدر على مستويين؛ أولهما: دعم مجموعة عمل «الإطار التنسيقي» التي تجمع الكتل والأحزاب الشيعية الرافضة للاعتراف بنتائج الانتخابات، ودفعها إلى التشدد من أجل إجبار المحكمة الاتحادية على إصدار قرار يقضي بإبطال نتائج الانتخابات، وإجرائها في موعد لاحق، أو على الأقل إصدار قرار يقضي بإجراء الفرز والعد اليدوي لكل نتائج الانتخابات، وتوظيف الحشود الشعبية التي تحاصر المنطقة الخضراء، حيث مقر الحكومة ومفوضية الانتخابات والسفارات، لهذا الغرض. كما يعمل المالكي للتواصل مع القوى الأخرى الفائزة إلى جانب القوى الخاسرة لتشكيل «إطار وطني» يمكن من خلاله الوصول إلى تأسيس التكتل الأكبر داخل البرلمان الذي يكون من حقه تشكيل الحكومة، وإبعاد التيار الصدري عن المشاركة فيها، أو إجباره على المشاركة في حكومة موسعة تضم كل القوى السياسية، شرط ألا تكون تحت قيادته وتوجيهاته.
وهناك دعوة أخذت تتسع في أوساط الساعين إلى احتواء أزمة نتائج الانتخابات إلى ضرورة تشكيل حكومة عراقية جديدة تتجاوز نتائج الانتخابات وتتجاهل «الأوزان الانتخابية» للكتل والأحزاب، أي تتجاهل تمتع كتلة الصدر بـ74 مقعداً في البرلمان، ومن يليها من الكتل، وتأخذ بقاعدة «الأوزان السياسية»، وإعطاء أولوية لما تسميه بـ«الرمزية السياسية»، أي ما تمثله الكتل السياسية المختلفة، خاصة الخاسرة منها مثل «تحالف الفتح» بزعامة هادي العامري، و«تيار الحكمة» بزعامة عمار الحكيم، و«تيار النصر» بزعامة حيدر العبادي رئيس الوزراء الأسبق، وغيرهم.
هذا الاتجاه يرمى إلى العودة بالانتخابات إلى الوراء، وإعادة فرض منهجية «المحاصصة السياسية»، وتبديد فرص التغيير والإصلاح، ومن ثم يبقى حسم المستقبل متوقفاً على ثلاثة أطراف ومواقفها من خيارات المستقبل: تيار الصدر، والكتل والأحزاب السنية والكردية، والمجتمع الدولي ممثلاً في مجلس الأمن.
التعليقات