حملة أحزاب المعارضة والصحافة على حكومة المحافظين البريطانية التي تتهمها «بالفساد»، أدت لاستقالة أوين باترسون، كنائب محافظ (وزير سابق)، وستعقبه انتخابات في دائرته، شرق شروبشير، 260 كلم شمال غربي لندن.

رئيس الحكومة، بوريس جونسون رفض، في مؤتمر صحافي، تهمة الفساد كـ«مبالغة تثير الضحك، فلدينا معارضة، ولجان برلمانية مستقلة، وضوابط وتوازنات، وقانون، وقضاء مستقل، وسلطة رابعة تمثلها صحافة حرة متعددة الأنواع».

الأزمة بدأت بتحقيق، استمر عاماً ونصفاً، أجرته لجنة المعايير البرلمانية (رئيسها نائب عمالي) في «استغلال باترسون عضويته البرلمانية» بالتعاقد كمستشار لشركة استفادت من نصائحه في تقديم مناقصات للحكومة.

أحالت اللجنة نتائج تحقيق باترسون، إلى كاثرين ستون، مفوضة المعايير واللوائح في وستمنستر. وبخلاف أعضاء اللجنة، فإن ستون ليست نائبة منتخبة، بل تعمل بعقد يتجدد كل أربع سنوات، كمستشارة تقترح الإجراء بناء على تقرير لجنة المعايير.

أوصت ستون، بتعليق عضوية باترسون لثلاثة أشهر، والعقوبة تطبق فقط بتصويت البرلمان، حيث يتمتع حزبه الحاكم (المحافظون) بأغلبية مريحة.

باترسون (ونواب آخرون تعرضوا للتحقيق)، اشتكوا من تناقض إجراءات اللجنة مع تقاليد العدالة البريطانية، وأسسها براءة المتهم حتى تثبت إدانته بأدلة لا يرقى إليها الشك، بينما انطلق تحقيق اللجنة من فرضية إدانته وعليه إثبات براءته.

تركزت شكوى باترسون، وعدد من زملائه المحافظين حول مسألتين؛ الأولى مناقضة طريقة التحقيق لمجرى العدالة الطبيعية في المحاكم الإنجليزية؛ وثانيها التسلسل الإجرائي لمسار التحقيق. بالنسبة للنقطة الأخيرة لم تستمع المفوضة بعد تحقيق لجنة المعايير إلى دفاع باترسون عن نفسه، كما لم تستدعِ اللجنة شهوداً طلبهم لتدوين أقوالهم. اللجنة اتهمته بعدم الشفافية بالنسبة لدخله كمستشار للشركة منذ 2015، والتهمة أثارت التعجب.

فجميع النواب عليهم تسجيل الدخول الإضافية، عينية أو نقدية، في سجل المصالح members interest registry، بل أنا، وزملائي، الصحافيين البرلمانيين، يشترط علينا تدوين دخولنا من مقابلات تلفزيونية أو كتب ننشرها أو حتى العينية كدعوة لحضور مهرجان أو تذكرة قطار أو طيران مجانية في السجل البرلماني. هذا السجل مفتوح لأي شخص في البرلمان (أو خارجه بطلب على الموقع) للاطلاع عليه، ولذا أدى الاتهام إلى فقدان اللجنة مصداقيتها في جدية التحقيق في الأمر.

تطوير لوائح وإجراءات لجنة المعايير ومدى ضبط صلاحيات مفوضة المعايير، وترتيب شغل النائب المنتخب لوظيفة إضافية، كانت دائماً على أجندة حزب المحافظين الحاكم. الحكومة وضعتها على جدول الأعمال اليومية كمشروع قرار بإنشاء لجنة معايير بديلة، وربط القرار بإيقاف النائب باترسون لتحقق فيه اللجنة البديلة، وطرحه للتصويت.

جدول الأعمال في مجلس العموم تحكمه تقاليد قديمة. مثلاً، عمل اللجان وتحقيقاتها واستدعاؤها للشهود، مستمر بشكلٍ ثابت مستقل عن قاعة المجلس، حيث تتمتع الحكومة بأغلبية تمكنها من فرض سياستها. جدول نشاط اللجان يعلن في بداية كل دورة برلمانية - باستثناء حالات طوارئ مستعجلة في لجان كالأمن مثلاً، أو لجنتي الصحة، والعلوم والتكنولوجيا، اللتين أدرجتا جلسات استجواب مشتركة لوزير الصحة والمسؤولين عن الصحة العامة بسب الوباء «كوفيد - 19» بشكل مستقل عن الحكومة.

بالنسبة للجدول اليومي، كما حدث مع مشروع قرار تعديل لجنة المعايير، واتهمت المعارضة حكومة جونسون باستغلاله لتمكين «نائب مذنب بتجاهل المعايير من الإفلات من الجزاء»، يعود القرار إلى السبيكر speaker (يسميه العرب «رئيس البرلمان») بوسائل متعددة. المعتاد اقتراح يومي عند نهاية العمل البرلماني، يصل مكتب السبيكر (منصب دستوري في أهمية رئيس الحكومة، ورئيس السلك القضائي، ورئيس المحكمة السامية وغيرها من مناصب التوازن الديمقراطي) يقدمه زعيم (أو مرشد) مجلس العمومthe leader of the House ويعرف في النظام الأميركي بزعيم الأغلبية، لكنه في بريطانيا منصب وزاري لأن الأغلبية تشكل الحكومة. السبيكر يوافق، فتقليداً حكومة الأغلبية تعكس إرادة الشعب. يمكن أيضاً للسبيكر أن يطرح مشاريع قوانين يقدمها مجموعة نواب (يتوقف العدد على تنوع الأحزاب التي ينتمون إليها)، وهناك أيام مخصصة للمعارضة لتقدم مشاريع قوانين، وأيضاً أيام مخصصة لمشاريع القوانين يتقدم بها نواب كأفراد لا أحزاب.

ارتكب المحافظون خطأ فادحاً بالخلط بين الأمرين، مما بدا وكأنه بالفعل محاولة لتقليم أظافر لجنة المعايير، ورغم أن الحكومة كسبت التصويت، إلا أن عدداً معتبراً من نوابها صوتوا مع المعارضة أو امتنعوا عن التصويت. كما شنت الصحافة، بكل أنواعها، حملة على الحكومة، وقررت أحزاب المعارضة مقاطعة لجنة المعايير الجديدة المقترحة. ولأن اللجان تعرف بـselect committees أي مشكّلة من أحزاب متعددة، فكان من المستحيل على اللجنة الجديدة أن تعمل. تراجعت الحكومة تجر أذيال الخيبة، برلمانياً وأمام الرأي العام.

لكن لا تزال مسألة الوظيفة الإضافية هي أساس مصدر الخلاف، بانتظار الحل القانوني. هناك وجهتا نظر في المسألة، الأقلية الأصولية البيوريتانية ترى ضرورة تفرغ النائب كاملاً لعمله البرلماني (قبل 1911 كان العمل تطوعياً، لكن قانون 1911 خصص مبالغ «كمرتب ومصاريف إضافية»). وهي اتجاه عالمي عمره قرنان ولا يقتصر على بريطانيا، ففي مصر مثلاً، قبل 1954، كان يحرم على شاغلي وظائف عمومية، كالقضاة والمحامين والمعلمين، الاشتغال بالسياسة أو الجمع بين وظيفتين (خاصة النواب)؛ وتعرضت رائدة الحركة النسوية، نبوية موسى (1886 - 1951) للفصل من عملها كمعلمة لنشرها مقالات في الصحف باسم مستعار، لولا التماس الزعيم سعد زغلول باشا (1857 - 1927) لدى ناظرة مدرستها؛ كما أدى انخراط مصطفى النحاس باشا (1879 - 1965)، الملقب «بزعيم الأمة»، في ثورة 1919 إلى سحب نقابة المحامين ترخيص مزاولته المهنة لنشاطه السياسي مخالفة للوائحها.

الأغلبية تريد التطوير في القرن 21. فمعظم النواب محامون - كزعيم المعارضة السير كيير ستارمر - يتقاضون أجراً من المرافعات، بعضهمpart - time بعض الوقت، أطباء، أو ممرضات، أو مديرو شركات، تساعد خبرتهم المكتسبة في صياغة قوانين واقعية. النواب يعلقون في الإذاعة والتلفزيون، وينشرون في الصحف أو الكتب لطرح مقترحاتهم السياسية على الناس مقابل أجر؛ ويرى هذا التيار أن العزلة في قصر وستمنستر قد تلحق بالديمقراطية ضرراً أفدح من خرق البعض للائحة المعايير.