السوق السوداء حضرت مؤخراً في حوارات السعوديين بشكل مكثف، والسبب المتاجرة في السوق السوداء، بأسعار تذاكر مباراة النهائي الآسيوي بين الهلال السعودي وبوهانغ الكوري، ونفادها خلال ساعتين من عرضها على المنصة الرسمية، وقد كانت قيمتها مئتي ريال وعرضت بألفي ريال في منصات أخرى، ما يعني أن من قام بشرائها حاول بيعها مجدداً بعشرة أضعاف قيمتها، خارج دائرة الاقتصاد الرسمي ومن دون ضريبة قيمة مضافة، وقد أصدرت إدارة نادي الهلال تذاكر جديدة وألغت التذاكر المعروضة، وهذا النوع من الأنشطة غير النظامية لا يشكل جريمة في حد ذاته، ولا يوجد نظام سعودي يعاقب عليه في الوقت الحالي، رغم محاولات إدخاله في نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، على اعتبار أن التذاكر بيعت من دون أخذ الإذن من الجهة المعنية، وبالتالي فالموقع الإلكتروني الذي نشر إعلاناتها يتحمل المسؤولية القانونية، والأنسب، في رأيي، ربط التذكرة برقم الهوية الوطنية.

عبارة البلاك ماركت نحتت بمعرفة مجلة الايكونوميست الأميركية في عام 1931، وكان هذا على خلفية قيام أنشطة اقتصادية غير مشروعة في فترة الحرب العالمية الثانية، ولأن دول الحلفاء قامت بتقنين أسعار وكميات المواد الغذائية والوقود وغيرها، وبما يضمن توفير حصص تموينية عادلة ومتساوية ومستمرة لكل الناس، ويمنع أصحاب الثروات من الاستحواذ عليها، ومعظم الأسواق السوداء التي قامت في المجتمعات الغربية، جاءت كردة فعل على إجراءات مشابهة.

أكثر من نصف سكان الأرض يعملون في مهن سرية أو غير معلنة بجانب وظائفهم الرسمية المعلنة، ولم يغير في هذا وجود قوانين تعاقب عليها بوصفها جريمة جنائية، وبالأخص في أميركا وأوروبا، وتمثل التجارة السرية غير الخاضعة لجمارك أو ضرائب، ما نسبته 70 % من اقتصاد الدول النامية، وما نسبته 10 % من اقتصاد دول العالم الأول، وتعتبر المكان المفضل لعصابات الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية وتجار الممنوعات المؤقتة والدائمة.

اقتصاد الظل -الذي تمثل السوق السوداء جزءا أساسيا فيه- يأتي في المرتبة الثانية ضمن أكبر الاقتصادات العالمية، وهو ينشط وينتشر في أوقات الأزمات والحروب، وقد يتحول إلى اقتصاد موازٍ في الدول التي تعاني من تغول الفساد، ومن ارتفاع معدلات التضخم، ومن الشواهد ما تفعله إيران ومعها تركيا في أكثر من عاصمة عربية.

المملكة عملت على إصدار نظامي الفوترة الإلكترونية ومكافحة الغش التجاري، بالإضافة إلى البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري، وبما يحقق محاصرة شاملة لتعاملات السوق السوداء واقتصاد الظل، وقد تراجعت هذه الأنشطة المشبوهة، وفق تقديرات البنك الدولي، مما نسبته 63 % من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة ما بين 1980 إلى 2010، إلى ما نسبته 35 % في السنة الماضية، وما نحتاجه في قادم الأيام هو إقرار خطة وطنية طموحة للاستفادة من التجربتين البريطانية والأميركية، وتقليص اقتصاد الظل إلى نسب تتراوح ما بين 9 % و12 % من الناتج المحلي الإجمالي.