برعاية خادم الحرمين الشريفين، استضافت محافظة جدة يوم الأربعاء الماضي، اجتماع مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا والعالم الإسلامي"، الذي يعقد هذا العام تحت شعار "الحوار وآفاق التعاون"، بمشاركة واسعة من مسؤولين وعلماء ومفكرين من روسيا الاتحادية ودول العالم الإسلامي لبحث القضايا المشتركة، وتعزيز التعاون في مواجهة التحديات القائمة وما أكثرها، وهذه هي المرة الثانية التي تستضيف فيها مدينة جدة مثل هذا الاجتماع.

وهذه المجموعة تأسست عام 2006، على أثر انضمام روسيا الاتحادية إلى منظمة التعاون الإسلامي بصفة عضو مراقب، وذلك بمبادرة من شخصيتين مخضرمتين هما: يفغيني بريماكوف ومينتيمير شايميف الذي كان حينها رئيس جمهورية تتارستان الإسلامية. وتضم المجموعة 33 شخصية حكومية وعامة من 27 دولة إسلامية، بمن في ذلك، رؤساء وزراء ووزراء خارجية سابقون، والعديد من الشخصيات الدينية من العالم الإسلامي؛ حيث عقدت المجموعة منذ ذلك الحين اجتماعاتها في روسيا والعديد من الدول الإسلامية.

ودور بريماكوف وشايمييف في تأسيس هذه المجموعة ليس مصادفة. فالأول يعتبر من رجال الدولة الروس المهمين، الذين أُرسلوا للشرق الأوسط، كمبعوثين للاتحاد السوفيتي وفيما بعد لروسيا في الأوقات الصعبة. أما الثاني فهو رئيس أهم جمهورية إسلامية في الاتحاد الروسي. ولذلك فلا غرابة أن يُعين العديد من الدبلوماسيين المنحدرين من هذه الجمهورية في الشرق الأوسط، وعلى رأسهم كريم حكيموف- الذي رافق الأمير فيصل خلال زيارته للاتحاد السوفيتي عام 1932، والذي افتتح نجله الأمير خالد الفيصل يوم الأربعاء الماضي اجتماع مجموعة الرؤية الإستراتيجية، الذي حضرها خليفة شايميف- رئيس جمهورية تتارستان رستم مينيخانوف الذي يترأس مجموعة الرؤية الإستراتيجية. فجمهورية تترستان تعتبر واحدة من أهم جمهوريات الاتحاد الروسي اقتصادياً. ففي هذه الجمهورية توجد العديد من المصانع المهمة وفي مقدمتها مصانع الطائرات المدنية والعسكرية، كالطائرة التي يستخدمها وزير الدفاع الروسي "إل -96-400". وكذلك أهم الطائرات العسكرية وأخطرها، وعلى رأسها قاذفة القنابل الإستراتيجية فوق الصوتية توبوليف تي يو-160. والعديد من طائرات الهليكوبتر.

وأنا أقدم هذه التفاصيل، لتوضيح مدى حاجة تتارستان لتسويق ما تنتجه مصانعها ومزارعها من لحوم وحبوب عالية الجودة. ولذلك، فهي تنظر إلى البلدان الإسلامية كأسواق واعدة. وموسكو تدعم هذا التوجه، طالما أن بريماكوف قد أيد حينها إنشاء هذه المجموعة. من جهتها، فإن البلدان الإسلامية، هي الأخرى، لها مصلحة في هذا الأمر- أو هكذا يفترض. فالدول الإسلامية يمكن أن تضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد: فمن ناحية، سوف تستفيد هذه البلدان من الميزة النسبية لمنتجات تتارستان، من ناحية ثانية، تعزيز الموقع والمكانة التي تشغلها هذه الجمهورية في الاتحاد الروسي. وهذا سوف يساهم من ناحية ثالثة، في تطوير العلاقة الاقتصادية بين البلدان الإسلامية وروسيا الاتحادية.