منذ أيام، قدّم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مشروع قانون الموازنة لعام 2022-2023، وفيه ظهر تعامل إيران مع البيئة الخارجية على حساب الظروف الداخلية. تكونت الموازنة الحكومية من جزءين، الأول الموازنة العامة للحكومة وتشمل النفقات الحكومية والإدارات والرواتب وموازنات التنمية. والثاني يركز على الشركات والمؤسسات "غير الحكومية" التابعة للنظام، التي تشمل الحرس الثوري الإيراني والجيش.

فوفقاً للمشروع، خططت إيران لخفض إنتاج النفط وإعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، بسبب العقوبات والتهديدات الأميركية الإسرائيلية المرتبطة ببرنامجها النووي، إذ قالت وكالة "تسنيم" للأنباء إن موازنة 2022-2023 تخصص حوالى 5 مليارات دولار لتعزيز "القدرات الدفاعية والبحوث الاستراتيجية، أي نحو 4 مليارات دولار ارتفاعاً عن العام السابق".

كما تتوقّع حكومة رئيسي نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة ثمانية في المئة. ووفقاً لمشروع قانون الموازنة المقترحة، ستزيد الإيرادات الضريبية من 8.2 مليار دولار حالياً إلى 17.5 مليار دولار العام المقبل، ما يظهر زيادة بنسبة 125 في المئة. تضمّن مشروع القانون فرض ضريبة بنسبة 20 في المئة على البنزين والمنتجات البترولية، أي جمع 5 مليارات دولار من ضريبة القيمة المضافة، التي ستؤثر بلا شك في الفقراء.

مشروع القانون الحالي غير واقعي ولن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في الداخل، كما أنه يوضح أن المستفيدين بشكل كبير منه هم الحرس الثوري والشركات والمنظمات التابعة له، فضلاً عن عدد من الكيانات الأخرى المرتبطة به.

وكان إبراهيم رئيسي قدّم للبرلمان إلى جانب المشروع المقترح للموازنة، تقريراً حول الإنجازات الاقتصادية للحكومة، التي ادّعى أنها تقود إيران للخروج من الأزمة المالية، وأكد أن التضخم في البلاد كان تحت السيطرة، على الرغم من أنه وفقاً للمركز الإحصائي الإيراني، فإن التضخم السنوي في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بلغ 43.4 في المئة، والصادرات غير النفطية زادت بنسبة 40 في المئة منذ تولّيه السلطة.

ربما تأتي ثقة رئيسي بتقرير إنجازاته نظراً إلى اعتماده العمل على تحييد العقوبات الأميركية عبر اتّباع سياسة خارجية، أعلن سابقاً أنها ستتجه شرقاً أي إلى دول جوار إيران فى آسيا، فضلاً عن محاولته إعادة فتح العلاقات مع دول الخليج العربي.

وعلى الرغم من أن سياسة إيران الخارجية حتى الآن في منطقة الشرق الأوسط لم تتغير، فإن أجواء إعادة إحياء الاتفاق النووي تتسم بالتشاؤم وضعف وتيرة المباحثات.

في الواقع، لا يوجد في الموازنة المقترحة للفترة 2022-2023، أي مؤشر إلى تحول حقيقي في النهج يمكن أن يخرج إيران من الأزمة الاقتصادية بشكل مستديم، ولأن ما زال نحو ثلث الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر، فلا تزال طهران تعاني من صعوبة الوصول إلى العملات الأجنبية الاحتياطية، بسبب العقوبات الأميركية المستمرة، ما أدى إلى تقلب سعر الصرف وارتفاع التضخم.

وبشكل عام، تتأثر التوقعات الاقتصادية لإيران بمسار وباء "كوفيد – 19" وآفاق التطورات الجيوسياسية. كما يظل الاقتصاد عرضة للخطر، وإن كان بدرجة أقل مما كان عليه في الماضي أمام الانكماشات المستقبلية في أسعار النفط العالمية. كما يمكن لتحديات تغيّر المناخ المتصاعدة التي تؤدي إلى نقص حاد في المياه والطاقة، إلى جانب ارتفاع التضخم، أن تزيد من الضغوط على الفئات الأكثر ضعفاً، وتفاقم المظالم الاجتماعية، بالتالي استمرار الاحتجاجات في الداخل ضد النظام الإيراني.