كثير منا قد لا يعرف أن استراتيجية الاقتصاد الأخضر والانتقال لاقتصاد منخفض الكربون عبر التكنولوجيا النظيفة حفزت الطلب على التعدين بشكل أكثر من السابق، ما زاد الطلب على النحاس والليثيوم والزنك والقصدير، وكذلك الكوبلت الضروري في صناعة البطاريات، سواء للسيارات ذاتية القيادة أو تخزين الطاقة، كما أن هناك عددا من المعادن النادرة زاد الطلب عليها خصوصا في صناعة توربينات الرياح والمحركات الكهربائية، أي أن العالم بحاجة إلى معادن أكثر حتى يحول أصوله الإنتاجية لأصول منخفضة الكربون.
النزعتان الأمريكية والصينية في السيطرة على المعادن متباينتان، فالصين اعتمدت على سيطرتها المباشرة والوصول إلى الدول الإفريقية وتقديم الديون والاستثمارات المباشرة والاستفادة من المخزون الإفريقي، إضافة إلى الاعتماد على مخزونها الطبيعي من المعادن النادرة REE وهي 17 عنصرا بخلاف أمريكا التي تعتمد على الحلفاء، لذا النزاع الاستراتيجي سنراه بين الاقتصادات الأكبر من أجل توفير المعادن من أجل صناعة أصول إنتاجية منخفضة الكربون، وبالتالي مزيد من التجارة، لذا من خلال الطلب المتزايد على المعادن بهدف تنفيذ استراتيجية الاقتصاد النظيف أو الدائري ومنخفض الكربون تكونت فرص جديدة لنشوء أسواق وموردين ومنتجين ومعالجين لتلك المعادن على الصعيد العالمي.
في ظل كل تلك الظروف وتراجع استثمارات التعدين أصلا أدركت السعودية أن فتح اقتصادها للاستثمار في التعدين يأتي متوافقا مع مصالحها الاقتصادية وزيادة تنوعها، من خلال رفع مشاركة التعدين في الناتج المحلي، كما أن توقيت السعودية في إعلان فتح أسواقها للاستثمار في التعدين، سواء من الشركات الوطنية أو الأجنبية، يأتي في توقيت ملائم بعد سلسلة واسعة من الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية.
ولفهم العلاقة بين وجود المعادن ومعالجتها، يتطلب نظاما لوجيستيا مرنا وبنية تحتية من الطرق والنقل والاتصالات والكهرباء وكذلك مستوى من الطاقة عاليا، لذا السعودية لديها القدرة على القيام بهذا الدور وتزويد العالم بجزء من المعادن ومعالجتها، ولا سيما أن الاقتصاد السعودي يمتك إمدادات الطاقة مع بنية تحتية تغطي جميع مناطق المملكة، وهذا سيخفض تكلفة استثمار شركات التعدين، فدولة مثل الصين تعالج معادنها المحلية والمستوردة بطاقة مستوردة من السعودية، لهذا فالسعودية مرشحة للمشاركة في زيادة معروض التعدين العالمي وبتكاليف ملائمة للمستثمرين من خلال دمج القدرات الوطنية والإقليمية والعالمية داخل السعودية.
أما إذا نظرنا إلى تجربة السعودية بشكل أعمق في الصناعات الأولية التي ينتمي لها التعدين، فإنها رائدة في مجال النفط والأسمنت ولديها من القدرات ما يمكنها خوض غمار التعدين بكثافة ونجاح، كما أن صناعات الدرجة الثانية أو التحويلية في النفط نجحت بشكل مبهر وعالمي من خلال تحويل النفط إلى منتجات بتروكيماوية، فمن باب أولى أن استثمارات التعدين في السعودية ستكون لها مساهمة كبيرة في تحسين معروض المعادن العالمي، وبالتالي زيادة المرونة العالمية في التحول نحو الطاقة النظيفة منخفضة الكربون.