لا أحد في البنتاغون يتحدث عن الحرب، عندما يتعلق الأمر بإيران في تعبير عن الجهل الأميركي بحقيقة تلك الدولة الثيوقراطية. ولا يمكن عزو ذلك إلى فشل دونالد ترامب أو ضعف جو بايدن، بقدر ما هو في النهاية مشكلة واشنطن الحقيقية مع المنطقة، عندما تقود الحروب أو ترفض دخولها.

لا يوجد من بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من يتبنى فلسفة سيء الذكر دونالد رامسفيلد “الحرب تجلب الحرية”، فلم يتحقق شيء من هذا القبيل بدءا من العراق وسوريا وصولا إلى ليبيا. لكن وفق الأرقام المعلنة هناك قوة قتالية ممثلة بأربعين ألف جندي أميركي في المشرق العربي، تتواجد في البحرين والإمارات وقطر والكويت والعراق وسوريا والأردن. وهناك نشاط مستمر في قاعدة جوية أميركية في الأردن، نقلت إليها قوات كانت متمركزة في السعودية. ويبقى نحو 2500 جندي أميركي في العراق. ولا يزال نحو 900 جندي أميركي منتشرين في شمال شرق سوريا وفي قاعدة التنف الواقعة قرب الحدود الأردنية والعراقية.

حدث هذا في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن الرئيس جو بايدن رشح الجنرال مايكل إريك كوريلا، قائد وحدة عسكرية تملك أكبر الخبرات القتالية في الجيش الأميركي، ليكون القائد الجديد للقيادة المركزية الأميركية “سينتكوم” التي تشرف على العمليات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا.

وفي حال تم تثبيت ترشيحه من مجلس الشيوخ سيتولى كوريلا الإشراف على منطقة عمليات عسكرية تشمل 21 دولة بينها إسرائيل، التي انضمت أخيراً إلى منطقة عمليات “سينتكوم”.

مع ذلك لا أحد يتحدث في البنتاغون عن الحرب عندما يتعلق الأمر بإيران مع كل قوى الدفع الإسرائيلية باتجاه التهديد بتلك الحرب، في متوالية سياسية مستمرة منذ أربعة عقود تعبر عن الجهل الأميركي بحقيقة إيران الثيوقراطية. ولا يمكن عزو ذلك إلى فشل دونالد ترامب أو ضعف جو بايدن، بقدر ما هو في النهاية مشكلة واشنطن الحقيقية مع المنطقة، عندما تقود الحروب أو ترفض دخولها.

تلك المشكلة تتجسد في كونغرس منقسم، حتى وإن كان بعض الديمقراطيين يشككون في جدوى الدبلوماسية مع إيران، فيما يطالب الجمهوريون الرئيس بايدن بالانسحاب من المفاوضات غير المثمرة واعتماد سياسة التصعيد مع طهران.

بيد أن الرفض الأميركي لدق طبول الحرب حافز مشجع لاستمرار إيران المارقة وليس إيران التي تبعث برسائل ود زائفة عن استقرار المنطقة لجيرانها العرب، مع تفاقم قلق الحلفاء الاستراتيجيين لواشنطن -وفي مقدمتهم السعودية- من الهيمنة الإيرانية المستمرة على دول في المنطقة. كما أن الخلاف بشأن إيران يعد واحدة من عدة قضايا تفسد علاقة بايدن برئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت.

ذلك ما وصفه الجنرال فرانك ماكنزي، الذي يقود قوات بلاده في الشرق الأوسط، بأن القوات الأميركية في بعض الأحيان تخطئ في جانب توخي الحذر.

مع ذلك يوجه الكاتب السياسي آلان فراشون ضربة أميركية إسرائيلية دقيقة إلى قلب المشروع النووي الإيراني، دون أن يرجح فرضية الغزو الفورية، ضمن مؤشرات نشوب ثلاث حروب محتملة في العام 2022. ويعزو ذلك إلى اختلال توازن القوى بين الولايات المتحدة وروسيا والصين.

ويكتب فراشون في مقال بصحيفة لوموند الفرنسية “أن الإيرانيين حطّموا الحدود الموضوعة لهم في اتفاقية تخصيب اليورانيوم”.

تواصل طهران الحفاظ على خطوط نفوذها العسكري والسياسي في جميع أنحاء المنطقة، بعد أن وطّدت علاقاتها مع حلفاء رئيسيين من الحكومة والميليشيات في العراق ولبنان وسوريا واليمن.

ويتمثل الخطر أيضا في احتمال إقدام الإيرانيين على تعزيز سياسة حافة الهاوية الآن. فقد يشعر صناع القرار الإيرانيون بأنه ما زالت لديهم فرصة لممارسة شكلهم الخاص من أشكال النفوذ، وأنه طالما كان بوسعهم مواصلة إثارة المزيد من الاستفزازات ليس هناك الكثير الذي يمكن أن تفعله الولايات المتحدة على جبهة العقوبات.

يتساءل عاموس يدلين رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، عما إذا كان بقدور القوات الجوية الأميركية تدمير مواقع التسلح الإيرانية بدقة وفاعلية أكثر بكثير من القوات الإسرائيلية، ويجزم بالإجابة بنعم قوية على التدمير، تعقبها لا نافية لوجود إرادة أميركية لفعل ذلك.

قبل أسابيع ضبطت البحرية الأميركية في مياه الخليج شحنة أسلحة على متن سفينة صيد مصدرها إيران ويُعتقد أنّها كانت في طريقها إلى المتمردين الحوثيين في اليمن. لكن ماذا حصل بعدها؟ تحول كبار القادة العسكريين الأميركيين إلى دبلوماسيين في رسائل هادئة لا تثير أي قلق إيراني، بيد أن شحنة الأسلحة المتجهة إلى الحوثيين دليل إدانة ساطع للعبث بأمن المنطقة الحيوي.

هكذا تصل الرسائل الأميركية الهادئة بشأن التهديدات الإيرانية والميليشيات الحليفة لها لدول المنطقة، إلى طهران عبر وسائل الإعلام في هامش الأخبار، أكثر من كونها استراتيجية لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.

فمن بين آخر التوصيات التي يتم اعتمادها من قبل البنتاغون عدم التركيز على حرب جديدة في المنطقة دون التساهل في مكافحة الإرهاب.

تلك مفارقة مزدوجة عندما لا تعد الطائرات المسيرة وإطلاق الصواريخ من قبل الميليشيات الخاضعة لفيلق القدس الإيراني إرهابا، سواء انطلق باتجاه القواعد الأميركية في العراق أو من قبل الحوثيين باتجاه السفن في البحر الأحمر ومضيق هرمز.

ذلك ما وصفه المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي بالتهديد المستمر لقوات بلاده في العراق وسوريا من قبل ميليشيات مدعومة من إيران، مؤكدا على أن “هذا النوع من الهجمات مشابه لما شهدناه في الأشهر الماضية، بل السنوات الماضية، و(تقوم به) مجموعات مسلحة تدعمها إيران”.

دعك من تحذير مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان من أيّ محاولات إيرانية لاستهداف القوات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، مشدداً على أن الولايات المتحدة ستتحرك ضد إيران وأن النظام الإيراني سيواجه عواقب وخيمة إذا أقدم على مهاجمة الأميركيين. سيدرج هذا الكلام في خانة دبلوماسية التهديد الفاترة التي لا يعتد بها سواء وصل التحذير أم لم يصل إلى طهران.

ماذا يعني ذلك، أكثر من كونه كلاما لا يحمل لغة التخويف الصارمة.

تجيب على ذلك هالي نيكي السفيرة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة، والمرشحة الجمهورية المحتملة لمنصب الرئاسة الأميركي عام 2024، باتهام بايدن بإخفاء الصورة الكاملة من تخفيف العقوبات الأميركية على إيران، واصفةً ذلك بالأمر غير المسؤول والخطير للغاية عندما يتعارض قرار الرئيس مع الكونغرس بشأن الاتفاق مع إيران.

وتتساءل: أليس للشعب الأميركي الحق في معرفة ما إذا كنا نوجه الأموال إلى أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم؟