تأخرنا كثيراً في إحياء قيام الدولة السعودية، وبالاحتفال بها سنوياً، مع أن هناك أهمية كبيرة للتذكير بأمجادها وأبطالها والتضحيات التي قدمت من أجل إنشاء وبناء الدولة السعودية على النحو الذي هي عليه الآن بعد أكثر من ثلاثمائة سنة من الكفاح والإصرار على قيامها بقيادة المؤسسين، بدءاً من الدولة السعودية الأولى ثم الثانية فالثالثة التي شهدت توحيد المملكة في كيان واحد، وبامتداد أطرافها على الجزء الأكبر من الجزيرة العربية.

ولا بأس أن يتأخر الاعلان عن (يوم التأسيس) الذي يصادف يوم 22 فبراير من كل عام على أن لا يتم إقامة هذا الاحتفال السعودي المجيد، وإبراز مكاسبه، والتعريف بتاريخه، باعتباره أهم الظواهر التي مرت بها المملكة، والمسارات التي سجلت فيها كل هذه الإنجازات، والتاريخ الذي وضع فيه القادة الشجعان بصماتهم في حقب تاريخية مهمة في تأسيس هذا الكيان الكبير.

إن هذا اليوم (يوم التأسيس) وهو اليوم الذي أسس فيه الإمام محمد بن سعود الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ، 1727م يؤكد رسوخ هذا الوطن العظيم، وتاريخه المجيد، منذ ثلاثة قرون وإلى اليوم، ما يعني أن المملكة ليست دولة ناشئة أو طارئة، فقد سبقت في تأسيسها دولاً عظمى كثيرة، وسيكون الاحتفال بيوم التأسيس، سنوياً إلى جانب الاحتفال باليوم الوطني، إلى جانب الاحتفال بالبيعة، وكلها مناسبات مهمة، وترمز إلى وفاء هذا الشعب لكل من كانوا وراء هذا الإنجاز العظيم.

ولم يكن شعب المملكة العربية السعودية ليشهد هذا الإنجاز الكبير لولا تضحيات الآباء والأجداد، وما كان من تحديات لبناء وطن يمتد عمره إلى ثلاثة قرون، ما يجعل من مناسبة الاحتفال بهذه الذكرى الخالدة فرصة للأحفاد ليتعرفوا على تاريخ بلادهم، وما سطره الآباء والأجداد من بطولات جعلت رقعة الوطن تمتد إلى ما هي عليه من مساحات، في وحدة لا مثيل لها في التاريخ، وبإنجازات غير مسبوقة، وتنمية شاملة وصلت إلى كل جزء في هذا الوطن الحبيب.

وإذا كان عمر الدولة السعودية الأولى ثلاثمائة سنة، فإن ما يفصل الدولة السعودية الثانية لا يتجاوز سبع سنوات، بينما قامت المملكة العربية السعودية بعد عشر سنوات فقط من قيام الدولة السعودية الثانية، وهو ما يعني الامتداد الطبيعي بين الدولة السعودية الأولى ثم الثانية فالثالثة، أي أننا أمام حقب تاريخية متواصلة، تميزت بالإصرار والكفاح والعزائم التي لا تلين.

وبمراجعة لتاريخ الدولة السعودية يظهر لنا أنها ليست دولة طارئة لا على التاريخ، ولا على الجغرافيا، وهذا التواصل بين الحقب الثلاث يؤكد أن الأساس الذي تشكلت من خلاله هذه الوحدة بين أبناء الشعب الواحد في التاريخ الحديث إنما جاء بعد عقود من التشتت والفرقة والنزاعات والخلافات والشقاق، فقد كان هناك إرادة وتصميم وعزائم لدى الآباء والأجداد لتحقيق هذا الحلم، وتجاوز كل المعوقات التي كانت تتربص بهذا الأمل وتعمل على وأده وعدم تحقيقه.

ولا بد من التذكير بأن الهدف من صدور الأمر الملكي الكريم بإحياء هذا اليوم التاريخي البهيج هو نوع من الوفاء لأئمة الدولة وملوكها الذين ساهموا في مراحل هذا البناء، وفي الوقت ذاته فنحن بهذا العمل إنما نجسد في (يوم التأسيس) على أن المملكة العربية السعودية قيمة رفيعة باهتمامنا بتاريخها، باعتباره امتداداً لحاضرها ومستقبلها، وبذلك نضع الجميع أمام قصة أمجاد هذه الدولة العظيمة، وأئمتها وملوكها ورجالاتها، وفي هذا نضع أيضاً قيمة هذه الدولة ومكانتها تحت المجهر ترسيخاً للحقائق باعتبار أن هذا النهج يعزز ما ينبغي أن يقال عن امتدادات الدولة السعودية الضاربة في جذور التاريخ.

ولأن لكل أمة تاريخها الذي تفتخر به، فإننا أولى بأن نفتخر بتاريخنا، نمجده ونحتفي به، ونذكر بكل مسارات دولتنا من خلال (يوم التأسيس) مستذكرين من يعود له الفضل في تأسيس الدولة السعودية الأولى وهو الإمام محمد بن سعود، حيث انطلق من الدرعية في رحلة محفوفة بالمخاطر، في شجاعة نادرة لبناء دولة عظيمة، شكلت واحدة من أهم المشاريع الوحدوية التي لم تعرفها الجزيرة العربية منذ قرون بعيدة.

ولما عرف عن الملك سلمان وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من اهتمام بالتاريخ السعودي أولاً، وتاريخ الجزيرة العربية ثانياً، وما يوليانه من عناية فائقة بالمصادر التاريخية الحقيقية والموثوقة، جاء اعتماد (يوم التأسيس) باعتباره الامتداد الطبيعي، والأصل لهذا الحرص، وزادَا عليه باعتبار هذا اليوم يوم إجازة رسمية لجميع الطلاب والطالبات وقطاعات الدولة، ما يعكس قيمة هذه المناسبة الوطنية المهمة، والسعي نحو ترسيخها بالشكل الذي يليق بمكانتها في نفوس أبناء وبنات المملكة العربية السعودية.

على أن كل ما يقال أو يكتب، سيظل قاصراً وناقصاً ومحدود التعبير عن الجهد والبذل والعطاء والتضحيات التي قدمها الإمام محمد بن سعود وكذلك الأئمة من آل سعود والملوك وأجدادنا وآباؤنا في سبيل قيام هذه الدولة العظيمة، رغم كل التحديات والعقبات التي واجهتهم في كل دولة من الدول السعودية الثلاث.