الفنونُ الجميلة، ضرورةٌ اجتماعية وحاجة إنسانية مُلِحّة وليست مجرّد رفاهية، فالفنّ يعلّمنا حُسن التذوّق، وتربية النشء، وتعلّم الأدب الاجتماعي، وأن نصبح أكثر تسامحاً مع الآخرين، ونتعامل بصورةٍ إنسانية أفضل مع المُختلف..

والفنونَ بشتـّى أنواعها (كالموسيقى والغناء والتمثيل والرّسم وأدب الرواية)، مُرادفةٌ للحياة والجَمال، وصورةٌ صادقةٌ للمجتمع تُشير إلى مستوى حضارته ومدى رُقيّه.. وفي الحقيقة، يرى بعض الفلاسفة، أنّ الفنّ أرقى وأهمّ من العلم.

إنّ الفنون الإنسانية، لغةٌ مشتركة وحالة نفسية استثنائية، يتميّز بها الإنسان عن غيره من البهائم.. سُئل (العقّادُ) مرّة: هل الفنون الجميلة من ضروراتِ الحياة، أم هي كمالياتٌ تأتي بعد لقمة العيش؟. فأجاب: ..... «إنّ تحصيلنا الجمال لا يجعلنا أحياء فحسْب، بل يجعلنا بشراً ممتازين في أمة ممتازة، تُحسّ وتُحسِن التعبير عن إحساسها.. الضروراتُ توكلُنا بالأدنى من مراتب الحياة، أما الذي يرفعنا إلى الأوج من طبقات الإنسان، فهو الفنون».

إن الفنّ ينثر جماله على القاصي والداني بغض النظر عن ثقافته وموروثاته، لسببٍ وجيه في رأي (فرناندو بيسوا): وهو لأنّ لا غاية من ورائه!. فالفنون الجميلة تساعدنا على التخفيف من أحزاننا وآلامنا، وفي الحقيقة، الفنّ عزاؤنا الأكبر في الحياة، إنّه يخفّف من عنف الحياة وضجيجها، لأنه يأخذك معه إلى بُعدٍ رابعٍ خارجها، حيث السّكينة والهدوء، والغاية الأصيلة للكون، إنّ الفنّ -في رأي نيتشه- «المحفّز الأعظم على الحياة»، وأرى أنّه حين تُحبَط، وحين تغضب، وحين تحزن، وحين تُحب، الجأ إلى الفنّ والأدب، وأهرب إلى الموسيقى.. لا تتردّد.

ولعلّ إهمال نشر وتعليم الفنّ، من عوامل انتشار الكآبة وثقافة العنف بين أفراد المجتمع.. كما أنّ التوسّع في إنشاء معاهد للفنون الجميلة كالتمثيل والتصوير والرسم والموسيقى وصناعة الأفلام والمسرحيات، يُسهم في تفريغِ الطاقات المُحتقِنة، ومخاطبةِ الأحاسيس والارتقاءِ بالذوق للإنسان، وعن طريقها، يُمكن إيصال أفكار وثقافات وقضايا كثيرة ومهمة للشعوب العربية والعالميّة بحرفية عالية، ولغة عالميّة، واضحة، ومُستساغة

يقول الروائي الأمريكي: (كورت فونيجت): «احتمِ بالفن.. أنا لا أمزح على الإطلاق.. الفنُّ ليس وسيلةً لكسب العيش فقط.. بل إنه الطريقة الإنسانية لجعل الحياة أكثر احتمالاً.. قم بممارسة الفن دون أن تهتمّ إن كنت تقوم بذلك بشكلٍ جيد أو سيّئ؛ الفن هو الطريقة الصحيحة لجعل روحك تنمو وتزدهر».