أسوأ ما في الهجوم الصاروخي الإيراني الذي وقع، فجر الأحد الماضي، على أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، هو «توقيته غير المناسب». فقد جاء في وقت كانت فيه حالة «الانسداد السياسي» التي استحكمت بالعملية السياسية العراقية وتطوراتها منذ انتخابات العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي ونتائجها المعقدة، عندما وصلت فيه إجراءات انتخاب كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء إلى طريق مسدود متجاوزة حالة «عنق الزجاجة» السابقة التي سيطرت على عملية انتخاب رئيس البرلمان.

كانت الأسباب كثيرة، أبرزها قرارات المحكمة الاتحادية العليا التي زادت المشهد السياسي العراقي تعقيداً، خاصة قرار الحكم بعدم أهلية ترشح وزير الخارجية والمالية الأسبق هوشيار زيباري ممثل الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزانيى لمنصب رئيس الجمهورية، ولم يكن للبرزاني مرشح آخر ضمن من جرى اعتماد ترشحهم للمنصب، والبرزاني هو الضلع الثالث في «التحالف الثلاثي» الذي يقود الحراك السياسي الجديد بزعامة مقتدى الصدر، وهو التحالف الذي يضم الكتلة الصدرية والحزب الديمقراطي الكردستاني والتحالف السني «تحالف السيادة»، بزعامة كل من محمد الحلبوسي وخميس الخنجر.

خروج زيباري من حلبة المنافسة على منصب رئيس الجمهورية فرض تعقيدات جديدة للعلاقة داخل التحالف السياسي، وزاد تعقيد خيارات مقتدى الصدر زعيم هذا التحالف، فضلاً عن أنه فاقم الأزمة بين الطرفين الكرديين المتنافسين: الحزب الديمقراطي والاتحاد الكردستاني، بقدر ما فاقم من عملية انتخاب مرشح جديد لرئاسة الجمهورية.

القرار الثاني للمحكمة الاتحادية جاء بخصوص الحكم بأن انتخاب رئيس الجمهورية في الجلسة الثانية بعد فشل الجلسة الأولى يكون بأغلبية الثلثين وليس بالأغلبية البسيطة، الأمر الذي أعطى للتكتل الشيعي الآخر المنافس «الإطار التنسيقي» ما يسمى بامتلاك «الثلث المعطّل»، بمعنى أن «التحالف الثلاثي» الذي يتزعمه الصدر لا يملك ثلثي أصوات البرلمان، ما أعطى للمنافسين امتلاك ما يفوق الثلث الثالث، أو «المعطّل»، ومن ثم دخلت عملية انتخاب رئيس الجمهورية في طريق مسدود وسط حالة الافتراق والصراع داخل الكتلة الشيعية بين الكتلة الصدرية وبين «الإطار التنسيقي». وجاء القرار الثالث للمحكمة الاتحادية بالحكم بعدم شرعية حكومة إقليم كردستان العراق في التصرف في الثروة النفطية بالإقليم ليزيد من أزمة مسعود البرزاني مع حليفه مقتدى الصدر.

حالة الانسداد السياسي هذه كان محورها «فيتو مقتدى الصدر» ضد أية شراكة أو تحالف مع نوري المالكي زعيم كتلة «دولة القانون» التي تملك نصف أصوات «الإطار التنسيقي» في البرلمان، الأمر الذي خلق صعوبات، وربما استحالت لقبول أطراف من «الإطار التنسيقى» بالتحالف مع مقتدى الصدر مضحية بنوري المالكي، في ظل إصرار الصدر على تشكيل الحكومة الجديدة وفق خيار «حكومة أغلبية وطنية»، وليس حكومة ائتلافية، وقبوله بمشاركة أطراف من «الإطار التنسيقي» في هذه الحكومة باستثناء المالكي.

هذه الحالة وجدت فرصة لتجاوزها عندما فاجأ مقتدى الصدر الجميع بالاتصال هاتفياً بغريمه نوري المالكي. مفاجأة صدمت حلفاء الصدر بقدر ما صدمت منافسيه في «الإطار التنسيقي». خطوة الصدر هذه جاءت بعد حدوث تطورات سلبية في علاقته بحليفيه الكردي والسني، فقد وصلت علاقة الصدر مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وزعيمه مسعود البرزاني إلى حافة حرجة في ظل عدم اعتراف البرزاني بقرارات المحكمة الاتحادية، كما تأثرت علاقة الصدر سلبياً مع زعيمي «تحالف السيادة» محمد الحلبوسي وخميس الخنجر بعد الصورة التي جمعتهما مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس مخابراته.

خطوة مقتدى الصدر جرى التعامل معها على أنها «انقلاب في معادلة التحالف»، وتوجه جديد يمكن أن يوحد الكتلة الشيعية كلها، ويساهم في حل إشكاليتي انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ما يعني تجاوز حالة «الانسداد السياسي» المعقدة.

في ظل هذه الظروف الجديدة، التي يمكن وصفها بأنها «ظروف مواتية» جاء الهجوم الصاروخي الذي أعلن الحرس الثوري الإيراني مسؤوليته عنه ليعيد الأزمة في العراق مجدداً إلى حالة تعقيداتها، في ظل تطورين، أولهما ثبوت مقرات للموساد الإسرائيلي في كردستان العراق، وفقاً للبيانات الإيرانية التي أكدت أن ما جرى قصفه هو «مقر للموساد» الإسرائيلي، ثانيهما عودة الصراع مجدداً على أرض العراق، وتفاقم هذه الحالة بدخول إسرائيل، للمرة الأولى، طرفاً في هذه المعادلة. فالصراع الإيراني – الأمريكي على أرض العراق مرشح لأن يتطور إلى «صراع إيراني – إسرائيلي» أيضاً، على النحو الذي يحدث في سوريا.

القناة ال 12 في التلفزيون العبري نقلت عن مصادر أمنية في تل أبيب أن «الموساد لا يعقب بالنفي أو بالتأكيد» على الرواية الإيرانية، لكن الإعلام العبري بدأ يتحدث ابتداء من يوم الاثنين الماضي عن أن العملية الإيرانية تدخل في إطار «المعركة بين الحروب» على النحو الذي يحدث في سوريا، ما يهدد العملية السياسية في العراق، ويدفع به نحو «الحالة السورية»، متجاوزاً كل جهود «النأي بالنفس» عن الصراعات الإقليمية من حوله.