يعيش العراق أزمات كبيرة يزيد من حدتها التدخلات الخارجية والتهديدات والهجمات من خارج الحدود، التي تشنها جهات متربصة به وعابثة بأمنه. وبينما تتحرك القوى السياسية العراقية على أمل استعادة الاستقرار والبناء، فإن تلك الجارة لا تريد لأهله أن ينعموا بالسلام. وبينما يتطلع العراقيون لانتخاب رئيس جديد خلال الأيام القليلة القادمة من بين 40 مرشحاً، تُنفذ أعمال تخريب وتفجير تستهدف مطار أربيل وما يحيط به على مقربة من القنصلية الأميركية.

من نفذ الهجوم سرعان ما أعلن مسؤوليته، وأنه تم بيده لا بيد ميليشياته، منتهزاً الفوضى الراهنة وارتباك الإدارة الأميركية جراء ما يحدث في أوكرانيا. ويبدو أن هذه الجهة لا يهمها تحقيق بعض المكاسب حتى ولو على حساب عراقيين أبرياء.
إن التغول الخارجي في العراق الذي لا يراعي مصالح الجار العراق غالباً ما يتسبب في أزمات لا حصر لها. بهذا المعنى نرى أن الاستمرار في هذا التوغل عازم على تخريب الاستقرار النسبي الذي تشهده بلاد الرافدين بعد توافق القوى السياسية الرئيسية على تسمية رئيس جديد للوزراء، فكان هجوم على أربيل الذي قلب الطاولة فزاد المشهد تعقيداً بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري. وحسب المراقبين وبسبب ما حدث فقد بات من المرجح أن التوافق على الحكومة المقبلة ربما سيتم ترحيله إلى ما بعد شهر رمضان.
شخصياً؛ تمنيت لو تم التوافق على استمرار السيد مصطفى الكاظمي في موقعه كرئيس للوزراء، خاصة وأنه وضع لبنات النجاح، وأسس لمرحلة جديدة في سبيل بناء عراق جديد. والكاظمي - برأيي - أظهر كفاءة عالية في القيادة، وهو الذي يمتلك حضوراً وسمات قيادية، وإصراراً على تخطي الصعاب كي يعود العراق إلى المكانة التي يفترض أن يكون فيها.
لم يتردد الكاظمي أو يتقاعس أو يساوم على حساب المصلحة الوطنية العراقية، ونجح في أداء مهامه، وأوصل العراق إلى انتخابات حرة، كما وضع أسساً لتجاوز الأزمات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية التي يعاني منها العراق على الرغم من العراقيل الداخلية والتحديات الخارجية.
من جهة ثانية أعاد الكاظمي العراق إلى المجتمعين الإقليمي والدولي، وفتح طريق مكافحة الفساد والمفسدين لاستعادة الدولة وهيبتها من براثن اللادولة، كما حاول منع الإرهاب والفتك بخلاياه وذيوله. لكن من يصر على التوغل في العراق ومن يساند أطرافاً تابعة له في الداخل العراقي، يبدو أنه يرفض باستمراره في التدخل والتوغل، ما حققه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، لأن ما يقوم به يتنافى مع مصالح هذه القوى المتدخلة..
أعتقد أن استمرار الكاظمي في منصبه لدورة جديدة فيه الكثير من المصلحة للعراق والعراقيين، وبالتالي قد يكون على القوى العراقية الوطنية تجديد الثقة به، وإعادة تسميته رئيساً للوزراء.
كم تمنيت أن تطرق القوى المتدخلة في العراق باب الريادة الإقليمية من منطلق البناء والتعمير، لا الفوضى والتخريب، لكن يبدو أن البناء الذي تبتغيه هي غير ذاك الذي نعرف مفهومه. وللأسف باتت هناك يد طولى في الخراب العراقي، وهي التي دائماً ما تلوح باستخدام القوة إن تضاربت مصالحها مع أي دولة أخرى حتى وإن كانت جارة لها.
الغريب والمثير للتساؤل أن القوى المتدخلة في العراق تعاني أصلاً من مشكلات وأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية منذ عقود وتعاني شعوبها جراء السياسات الخارجية لنظامها من مصاعب حياتية كثيرة، ويبدو أن منطق هذه القوى يكمن في تصدير أزماته.

وهذه القوى المصرة على العبث بأمن العراق يبدو أنها تقوم بالهروب من جديد إلى الأمام.
الاستقرار والسلام والتنمية أمور تحتاجها المنطقة، كي تنعم شعوبها بالرخاء، أما أجواء التصعيد والتدخل والتوغل فليس من ورائها ننتظر نتيجة إلا استمرار التراجع والتخلف عن ركب التنمية واستغلال كل ما هو ضار بمصلحة الشعوب.