عند الحديث عن قضية الحرب الروسية - الأوكرانية الدائرة حاليا، لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوز ملف إمدادات الطاقة وسلامة شرايينها المتدفقة من روسيا إلى العالم، خصوصا دول أوروبا.

أمن الطاقة العالمي قضية وجودية تهم الجميع دون استثناء، ولا تقتصر أهميته على الدول من منتجين ومستهلكين فقط، بل تتعدى ذلك لتصل حتى إلى الأفراد، حيث لا يخفى على أحد استخدامات وتطبيقات النفط والغاز الكثيرة جدا التي تلامس حياتنا اليومية بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

روسيا ثالث أكبر منتج للنفط في العالم بنحو 10.6 مليون برميل يوميا من النفط الخام والمكثفات، وهي كذلك أكبر مصدري الغاز في العالم بما يقارب 238.1 مليار متر مكعب بفارق كبير عن أقرب منافسيها الولايات المتحدة التي تحل في المرتبة الثانية بنحو 137.5 مليار متر مكعب.

في 23 مارس الماضي أعلن الرئيس الروسي بوتين وقرر بيع الغاز الروسي بعملة الروبل فقط على مجموعة من الدول أسماها الدول غير الصديقة، وهي مجموعة من الدول كانت لها مواقف سلبية ضد الحكومة الروسية وفرضت عليها عقوبات اقتصادية لدخولها أوكرانيا، وتقدر هذه الدول بـ 46 دولة على رأسها بلا شك ألمانيا وبريطانيا وفرنسا واليابان وغيرها من الدول. هذه المجموعة من الدول غير الصديقة اشترت بحسب بعض المصادر الروسية غازا عام 2021 بقيمة تعادل 69 مليار دولار.

هذا يعني أنه عند إصرار روسيا على بيع الغاز بالروبل للدول غير الصديقة وتنفيذ هذا القرار، أن على هذه الدول للحصول على ما يعادل 69 مليار دولار بالروبل الروسي، في رأيي أن قرارا روسيا كهذا لن يكون عشوائيا أبدا بل مبنيا على تحليل عميق للحالة، وتقييم دقيق لحاجة الطرف الآخر ومركزه التفاوضي، فشرايين الطاقة الروسية من النفط والغاز مهمة جدا للعالم بأسره ولاستقرار أسواق الطاقة العالمية، وهي بطبيعة الحال أكثر أهمية بصورة خاصة لأوروبا، حيث تشكل إمدادات الطاقة الروسية نحو 35 في المائة من الاستهلاك الألماني للطاقة، وهي نسبة كبيرة جدا.

تعتمد أوروبا كذلك على الغاز الأوروبي بشكل كبير حيث تشكل الصادرات الروسية من الغاز نحو 40 في المائة من واردات الغاز الأوروبي، وهذا ما يوضح صلابة موقف روسيا وتمسكها بقرار الروبل مقابل الغاز.

في رأيي أن موقف أوروبا سيكون ضعيفا أمام الموقف الروسي نظرا لاعتماد أوروبا بصورة كبيرة على شرايين الطاقة الروسية وبكميات كبيرة يصعب تعويضها لنواحي فنية واقتصادية.

فرغم تحرك الولايات المتحدة ودول أوروبا لإيجاد مصادر بديلة للنفط والغاز الروسي إلا أن تعويضهما صعب جدا ويتطلب وقتا طويلا لن تستطيع أوروبا تحمله، وهذا ما صرح به وزير الطاقة القطري أن الغاز الروسي لا يمكن تعويضه، لوح الاتحاد الأوروبي بإجراءات استثنائية ستتخذ إذا أوقفت روسيا الغاز، وأن التكتل الأوروبي مستعد لمواجهة عواقب اقتصادية حادة في حال قطعت روسيا شرايين الطاقة التي تغذي بها أوروبا.

أرى أن هناك مكابرة من الجانب الأوروبي حول قدرتهم تجاوز الأزمة الحادة التي سيواجهونها في حال قطع الغاز الروسي، ولا أتوقع أن موسكو ستتخذ هذا الإجراء لكنها ستصر على بيع غازها بالروبل للدول غير الصديقة التي لا تملك مساحة للمناورة والتفاوض في هذا الملف.