فجأة تذكرت الولايات المتحدة الأمريكية أنها قوة عظمى، وفجأة اندفعت بشكل غير مسبوق لمحاصرة روسيا لدرجة لم يتخيلها أحد وصلت لحد وضع الحقوق والقيم الإنسانية في ثلاجة الغرب المكتوب عليها يافطة تقول: «تستخدم عند الحاجة فقط».
هي نفس القوة التي وصفت أوروبا بالقارة العجوز، وهي نفس العاصمة التي دفعت لندن للخروج من الاتحاد الأوروبي، وهي نفس الجهة التي تنسحب من الشرق الأوسط، وتتخفف من التزاماتها أمام شركائها وحلفائها، فما الذي يحدث، هل هي خصومة شخصية بين بايدن وابنه وبين بوتين ويتم جر العالم كله لهذه المواجهة، أم أنها معركة مستحقة ومؤجلة لترتيب القوى العظمى في المئة عام القادمة.
الخلاف بين الروس والأوروبيين كان حتمياً، فلا الروس سيتنازلون عن هيمنة الغاز شريان الحياة لأوروبا، ولا الأمريكان سيسمحون للأوروبيين بالتعامل المباشر مع عدوهم اللدود، فأمريكا التي دخلت أوروبا من نافذة النورماندي لن تخرج من الباب الأوكراني، وستبقى دولة هناك شاء الأوروبيون أم أبوا.
العقوبات المعلنة والمسكوت عنها التي طالت الإنسان الروسي قبل الدولة الروسية وصلت لحد مصادرة الأموال والممتلكات وإخراج الروس من مساكنهم وطرد الطلاب والطالبات من الجامعات والكليات وفسخ عقود العمل في المدن والعواصم الأوروبية، ومنع الوكالات والشركات الكبرى من العمل في روسيا، بل وامتناع بعض مصنّعي المنتجات العالمية من البيع للروس إذا اكتشفوا جنسيتهم.
هذا الحصار وصل لحد الخنق الرهيب، وهو يتدرج على خطين موازيين..
إغراق الروس أكثر وأكثر في الوحل الأوكراني والذي قد يمتد إلى سوريا ومن ثم يستمر لسنوات طويلة حتى تركع موسكو على ركبتيها، وثانياً قضم اقتصاد روسيا ومساحات الحياة حتى الوصول إلى خنقها تحت الوسادة، وربما يصل الأمر لفكرة «الغاز مقابل الغذاء» كما حصل مع عراق صدام، بمعنى أكثر وضوحاً تحويلها لحقل غاز فقط والسيطرة على إيراداتها، وتحويل روسيا لدولة منهكة لا تستطيع حتى صيانة أسلحتها وقواعدها النووية.
في المقابل تبدو واشنطن عاجزة عن اتخاذ أية خطوة ولو صغيرة تجاه إيران الدولة الإرهابية الفاشلة، وكل إجراءاتها مجردة من الفعالية المتوخاة، كيف يمكن لدولة تحاصر روسيا -القوة العظمى- أن تعجز عن محاصرة دولة إرهابية معزولة محدودة الإمكانات، وتستخدم عوائد النفط والغاز لإرهاب الشرق الأوسط جميعاً، والأدهى أن تمرر أمريكا وأوروبا أفعالها بالرغم من كونها المهدد الوحيد لمصادر الطاقة التي قامت الحرب الأوكرانية من أجلها.
ولهذا فإننا أمام سؤال ملح ومستحق يقول: لماذا نجحت أمريكا في تكبيل روسيا اقتصادياً خلال شهرين فقط، وفشلت في إيران خلال ثلاثين سنة.
الجواب في نظري: أن أمريكا، وخاصة حزبها الديموقراطي، ترى في إيران حليفاً غير منضبط، وهي تسعى لتهذيبه دون نزع مخالبه، وتريد أن توجهه نحو أهدافها الاستراتيجية، لا أن يندفع في إرهابه بشكل قد ينعكس على مصالحها، إذن الخلاف هنا ليس على مبدأ الإرهاب بل على تقنينه وتغليفه بورق السلوفان الغربي فقط.
بالتالي هي ليست في وارد اتخاذ إجراءات صارمة مع إيران، بما فيها أفعالها الإرهابية، ولم تكن هناك إرادة حقيقية لردع إيران وتفكيك سياسات الاعتداء التي تتبناها، في المقابل لم تتسامح واشنطن وبعض العواصم الغربية مع السعودية والدول العربية المتضررة من إيران، ولم تقبل وجهة نظرها الأكثر وجاهة والأكثر صدقاً من وجهة النظر الأمريكية ضد الروس.
التعليقات