لفتت الازمة الأوكرانية الانتباه الى أمور عدة، ليس أقلها القوة العسكرية الروسية، التي تبين أن جميع الدول الكبرى تحسب لها ألف حساب. وهذا ليس مصادفة، فروسيا قد تمكنت خلال الأعوام الأخيرة من التفوق في بعض المجالات العسكرية، حتى على الولايات المتحد التي تعتبر أضخم قوة عسكرية في العالم. فروسيا قد حققت اختراق في إنتاج الصواريخ الفرط صوتية، وتقدمت بشكل ملحوظ على غيرها. ولذلك يسرع منافسوها للحاق بها وسد الثغرة التي تفصلهم عنها.

الأمر الأخر، هو تكامل الاقتصاد الروسي مع الاقتصاد العالمي. فالاتحاد السوفيتي رغم ضخامة اقتصاده فإن انهياره لم يؤدي الى صدمة اقتصادية عالمية- وذلك على عكس مما نراه الآن بعد العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا. فهذه العقوبات لم تؤدي فقط إلى ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة التضخم في العالم، وانما أيضاً الى خلق المقدمات التي تنذر بانهيار النظام الاقتصادي والمالي العالمي. والحديث يدور هنا، ليس فقط عن اتفاقية بريتون وودز، التي تعتبر حجر الأساس للنظام الاقتصادي- المالي العالمي، بعد الحرب العالمية الثانية. فعلى ما يبدو لي، فإن استخدام الدولار كورقة عقاب قد الحق الضرر بالدولار نفسه. فهذه العملة التي أصبحت وسيلة الدفع المفضلة في كافة أنحاء العالم، ما كان ينبغي استخدامها كورقة عقاب، لأن ذلك يؤدي إلى الابتعاد عنها.

إن خلط الاقتصاد بالسياسة له تبعاته ونتائجه السلبية على من يقوم بذلك. فنحن نرى الآن الآثار السلبية الناجمة عن استخدام النفط، كسلاح في السبعينات. فقد توجهت الدول المستهلكة للنفط للبحث عن مصادر أخرى بديلة، كالغاز الصخري والشمس، وإلى صنع معدات اقل استهلاك للطاقة كالسيارة الكهربائية- بل وإلى إنشاء وكالة الطاقة الدولية (IEA) لمواجهة أوبك وتنسيق جهود الدول المستهلكة، ضد الدول المنتجة للنفط.

ولذلك، فإن استخدام النقود كأداة للعقوبات، ترتد بوميرانغ Boomerang على الدول التي تستخدمها. إذ ما كان ينبغي على الولايات المتحدة أن تطلق النار على ساقها. فمنع روسيا من استخدام الدولارات التي تحصل عليها مقابل صادراتها، قد خلق مشاكل ليس فقط لروسيا، وإنما أيضاً لأوربا التي طلبت منهم هذه الأخيرة أن يدفعوا لها مقابل غازها بالعملة الروسية الروبل.

بالفعل، لقد ألحقت الولايات المتحدة الضرر بموقعها في النظام المالي العالمي. وهذا يشمل نظام سويفت Swift، الذي تم حشره بالقوة واستخدامه كأداة عقاب ضد روسيا. فهذا سوف يدفع دول العالم، وخاصة الصين وروسيا للبحث عن نظام آخر بديل أو بالأصح رديف يقلل الاعتماد على Swift، وفقا للحكمة القائلة، بعدم وضع كل البيض في سلة واحدة.