كان وصول عمران خان للسلطة في باكستان العام 2018، حدثاً مفاجئاً، كونه من هواة السياسة، وليس من رموزها المعروفين. غير أن شخصيته الكاريزمية كبطل للعبة الكريكيت الأكثر شعبية في البلاد، وقيادته باكستان لفوزها الوحيد بكأس العالم للكريكيت العام 1992، واستياء الشعب من فساد الساسة التقليديين، علاوة على وعوده الانتخابية بتحويل باكستان إلى «نموذج لدولة الرفاهية الإسلامية ذات النظام الإنساني العادل»، معطوفاً على تأييد مبطن من مؤسسة الجيش، مثلت جميعها عوامل ساهمت في فوزه.

أما ما لم يكن مفاجئاً، فهو سقوطه بعد نحو 40 شهراً في الحكم، ليس فقط لأن تواضع خبرته السياسية والإدارية لم تسعفه في تحقيق وعوده للجماهير، وليس فقط لأنه ورث اقتصاداً سيئاً، فلم يحسن إصلاحه، وتركه يزداد سوءاً وتراجعاً، وإنما أيضاً لأنه فقد دعم وثقة الجيش، الذي لا يريد أن يتحمل أمام الجماهير مسؤولية إخفاقات رئيس الحكومة.

وهكذا، سقط من علّقت عليه ملايين الباكستانيين الآمال، في جلسة برلمانية لسحب الثقة، أي بطريقة غير مسبوقة، رغم أنها استخدمت من قبل دون نجاح للإطاحة بشوكت عزيز العام 2006، وبينظير بوتو العام 1989.

وبانضمام خان إلى قائمة رؤساء الحكومات المنتخبين المطاح بهم قبل استكمال فترتهم القانونية، واختيار البرلمان شهباز شريف ليكون رئيس الوزراء الـ 23 لباكستان منذ تأسيسها، انتهت حقبة وبدأت حقبة جديدة في تاريخ هذه البلاد المأزومة، لكنها لن تكون قطعاً حقبة سهلة، بل مليئة بالتحديات.

يعتقد بعض المراقبين أن رحلة شهباز شريف في السلطة، ستكون أسهل من رحلة سلفه، أولاً بسبب كفاءته الإدارية التي تجلت في قيادته الطويلة الناجحة لحكومة ولاية البنجاب المكتظة بالسكان، وتمكنه أثناءها من إنجاز عدد من مشاريع البنية التحتية الضخمة التي مولتها الصين، وثانياً بسبب علاقته الجيدة مع مؤسسة الجيش القوية، بدليل عدم اعتراضها على تنصيبه، وثالثاً بسبب روابطه الوثيقة مع الولايات المتحدة (المورد الأول لسلاح الجيش الباكستاني)، التي وصفها بالشريك الضروري لباكستان في السراء والضراء، وذلك في تناقض جلي لمواقف سلفه من واشنطن، ورابعاً بسبب وثوق الحليف الصيني به وبكفاءته الإدارية في تنفيذ المشاريع ذات الصلة بمبادرة الممر الاقتصادي الصيني ــ الباكستاني، البالغ قيمتها 60 مليار دولار، ضمن مشاريع «الحزام والطريق»، بدليل إشادة القنصل الصيني العام في لاهور به، وخامساً لأنه يتمتع بعلاقات ودية مع قادة الدول العربية ذات الروابط التاريخية مع باكستان، لا سيما في الخليج العربي، أي بعكس سلفه الذي بدرت منه مواقف سياسية غير ودية.

على أن فريقاً آخر من المراقبين، يرى أن المحك في نجاح شريف أو إخفاقه في قيادة باكستان، يعتمد أولاً وأخيراً على طريقة معالجة الفوضى الاقتصادية التي ورثها من سلفه، وهي فوضى غير مسبوقة، يجد المتابع تجلياتها في ارتفاع معدلات التضخم، وفقدان العملة المحلية لنحو 50 في المئة من قيمتها، وتراجع احتياطات النقد الأجنبي إلى مستويات خطيرة، وتراكم الديون الخارجية وفوائدها، وبروز أزمة ميزان المدفوعات، المتمثلة في عدم قدرة البلاد على سداد قيمة الواردات الأساسية، أو خدمة مدفوعات ديونها الخارجية (نحو 14 مليار دولار في الأشهر التسعة المقبلة).

وفي رأينا أن الزعيم الباكستاني الجديد، قادر على حل جزء كبير من معضلات بلاده الاقتصادية، لو تحرك بروح جديدة نحو تسوية القضايا التاريخية المزمنة مع جارته الهندية. ذلك أن إقامة سلام وتعاون دائم وثابت مع القطب الهندي، يعني توجيه قدر كبير من موارد الدولة الباكستانية والمساعدات الخارجية، نحو البناء والتنمية، وتحسين الخدمات ومستويات المعيشة، بدلاً من توجيهها نحو التسلح والمجهود الحربي والدعاية.

والحقيقة أن ما قد يساعد على ذلك، هو أن عائلة شريف، التي ينحدر أسلافها من الجزء الواقع تحت السيادة الهندية من ولاية البنجاب، المقسمة منذ العام 1947، عرف عنها تبنيها مواقف أكثر تصالحية وأقل عدائية تجاه الهند، مقارنة بأسلافه، ومنهم عمران خان، الذي شهد عهده تراجع العلاقات والاتصالات بين الجارتين اللدودتين على كافة الأصعدة، بسبب تصريحاته الشعبوية ضد نيودلهي. ومما يجدر ذكره هنا، أن شهباز شريف، كان قد زار البنجاب الهندية العام 2003، حينما كان رئيساً لحكومة البنجاب الباكستانية، كما أن شقيقه الأكبر، رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف، استقبل في باكستان العام 2015، نظيره الهندي مودي، الذي سافر إلى لاهور في زيارة خاطفة وغير مقررة، لمشاركة نواز شريف أفراحه بعيد ميلاده وزواج حفيدته.

ولعل هذا كله، هو ما دفع الباحث الأمني الباكستاني «امتياز غول»، للقول بأن الشقيقين شريف، أقاما بشكل عام علاقات ودية مع القادة الهنود، وأن هذه نقطة جيدة لإطلاق حوار سلام وتعاون بين باكستان والهند، تصب نتائجه لصالح البلدين والشعبين معاً.