موضوع الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا ما زال الموضوع الأهم والقضية المقلقة فيما يخص الطاقة وإمداداتها، ما جعل أعين العالم تراقب هذا الملف بحذر. لا يخفى على أحد أن أثر هذه الحرب ليس حكرا على روسيا وأوكرانيا والدول المجاورة لهما، بل يمتد أثرها إلى كثير من الدول والقطاعات وبنسب متفاوتة، فتأثر أوروبا في جميع النواحي الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية وغيرها يختلف بلا شك عن تأثر الدول البعيدة.
ذكرت سابقا أن قطاع الطاقة، وعلى رأسه النفط، من القطاعات التي تتأثر لحظيا بما يحدث في الحرب الروسية - الأوكرانية، والمتابع للأسعار يلحظ أن أسعار النفط والغاز تذبذبت بصورة لافتة خلال الفترة السابقة على أثر أي تصريح يصدر من روسيا أو حلف الناتو أو الولايات المتحدة. لمعرفة مستجدات الحرب هناك، يكفي متابعة مؤشر أسعار النفط لينبئك أن هناك تصعيدا للقضية، ترتفع أسعار النفط على أثره، أو أن هناك تخفيضا للتوتر أو تحولا إيجابيا أو بصيص أمل لانفراج القضية تستقر أو تنخفض أسعار النفط على أثره.
العالم ما زال وسيبقى متعطشا لجميع مصادر الطاقة، فالطاقة هي شريان التطور الأهم، وقلب المدنية النابض ولا يمكن بأي حال من الأحوال الاستغناء عنها أو حتى المساس بإمداداتها وسلامتها، وعند الحديث عن أمن الطاقة العالمي لا يمكن تجاوز روسيا أو التقليل من أهميتها كمصدر رئيس من مصادر الطاقة العالمية، حيث إنها ثاني منتج للنفط الخام في العالم بنحو 11 مليون برميل يوميا، وبصادرات تبلغ نحو سبعة ملايين برميل يوميا. في قطاع الغاز، روسيا هي أكبر مصدري الغاز في العالم بما يقارب 238.1 مليار متر مكعب بفارق كبير عن أقرب منافسيها الولايات المتحدة التي تحل في المرتبة الثانية بنحو 137.5 مليار متر مكعب. العقوبات الغربية على روسيا تنوعت وشملت كثيرا من القطاعات الاقتصادية والمالية، بل طالت حتى رجال الأعمال القريبين من دائرة صنع القرار، هذه العقوبات بعيدا عن كونها عادلة أو لا، إلا أنها تؤثر في روسيا واقتصادها فقط، لكن الوضع مختلف تماما عندما تصل العقوبات إلى شرايين الطاقة الروسية من النفط والغاز، فالأثر هنا يتعدى روسيا ومن حولها من الدول التي تعتمد على النفط والغاز الروسي ليصل إلى جميع المستهلكين في العالم. هناك مطالبات يقودها بعض الدول الأوروبية لحظر واردات النفط الروسي، ويقابل هذه الدعوات رفض وتحذير من بعض الجهات والدول، وهكذا خطوة ستؤثر بقسوة في أسواق النفط العالمية وقد تدفع بأسعار النفط إلى أكثر من 180 دولارا للبرميل إذا لم يكن أكثر.
المتأمل في مصادر هذه العقوبات ومن يقودها يجد أن اعتمادها على شرايين الطاقة الروسية ليس بذي بال، فالولايات المتحدة كانت تستورد من روسيا قبل قرار بايدن حظر استيراد النفط الروسي نحو 700 ألف برميل يوميا، وهذه الكمية لا تشكل إلا نحو 8 في المائة من حجم واردات النفط الأمريكية، وهذه الكمية ليست ذات تأثير كبير في أسواق النفط، ولعلنا تابعنا عند إعلان الرئيس الأمريكي حظر استيراد النفط الروسي أن أسعار النفط لم تتأثر بهذا القرار ولم ترتفع كما توقع البعض. فماذا عن دول أوروبا؟ وهل سيتم حظر النفط الروسي؟ نكمل ما بدأناه في المقال المقبل بإذن الله.