الإحصاءات الأممية عن نفايات الطعام تضع المملكة في المرتبة الرابعة، وذلك بعد نيجيريا واليونان والعراق، لأن الفاقد والمهدر من الأطعمة لا يقفان عند الاستهلاك، ويشملان مراحل الإنتاج والتخزين والتسويق ومن ثم الاستهلاك، وفقد أو هدر الغذاء لا يرتبط بمداخيل الأشخاص، أو بالدول الغنية دون الفقيرة، ومن الأمثلة، أن فرنسا الغنية تأتي في مقدمة الدول الأقل هدراً وفقداً للطعام، فلا تفقد في الوقت الحالي إلا 2 % من إجمالي إنتاجها الغذائي، وتحاول في عام 2025 الوصول إلى نصف هذا الرقم.

تجرية فرنسا تستحق الاستنساخ، لأنها الأنسب للمجتمع السعودي، فقد قررت الحكومة الفرنسية في عام 2012 وضع تشريعات تلزم شركات القطاع الخاص التي تنتج 12 طناً من النفايات العضوية في العام، بأن تقوم بإعادة تدويرها والتقليل من كمياتها، ومن ثم وسعت الدائرة لتشمل محال السوبر ماركت وشركات الأغذية والمطاعم الكبرى، وفرضت عليها عدم التخلص من الأطعمة الصالحة للأكل، وأن تتبرع بها للجمعيات الخيرية وبنوك الأطعمة، ومن يخالف ما سبق سيكون عرضة لغرامة تصل إلى 75 ألف يورو مع السجن لمدة عامين.

في مقابل الإجراءات العقابية توجد حلول عملية وذكية، فقد قامت بريطانيا بابتكار جهاز يصلح للاستخدام في المطاعم، والجهاز عبارة عن كاميرا مثبتة في صندوق يتم وضع الأطعمة المهدرة فيه، ويقوم بقياس كميتها ويقيم جودتها وتكلفتها المادية، وبما يساعد في إقرار خطط لتحديد الاحتياج وتقليص المهدر، ومعها اليابان وعملها على تقنية برمجية تستفيد من البيانات المدخلة فيها عن البضائع، وتستخدم خوارزميات معينة لتحديد كمية الهدر المحتمل والكميات الكافية للمحال، وبما يضمن خفض الهدر، والمحال التي توظفها تعرف بالكونفينينت ستور، وتعمل على مدار الساعة، كسلسلة لوسن وسفن إيلفن وفاميلي مارت.

بالإضافة إلى أبليكيشن تكية المصري، والذي في خططه التمدد عربياً، وقد بدأ في دبي بالفعل، والأبليكيشن يعرض فائض الطعام غير المستخدم في المطاعم بنصف ثمنه، ويتيح إمكانية شرائه أو التبرع به للجمعيات الخيرية، وأعتقد أن الأجهزة المختصة في المملكة تحتاج إلى تقييم التجربة والاستثمار فيها أو محاكاتها.

مسؤولية الهدر الغذائي في المملكة تتحمله وزارتا البيئة والشؤون البلدية، علاوة على هيئة الغذاء والدواء والبرنامج الوطني للحد من الفقد والهدر في الغذاء، وهذه الجهات استطاعت تحديد خط الأساس في المهدر والمفقود السعودي من الأغذية، وبما نسبته 33 % من إجمالي الاستهلاك، وتستهدف تقليصه إلى 16 % في 2030، والمسألة ليست صعبة؛ فالجيل الحالي يميل إلى الوجبات السريعة والصغيرة، وبالإمكان الاستفادة من فائض الخضار والفواكه بتحويلها إلى منتجات جديدة، كالمربيات والمخللات والأغذية المجففة، ولا بأس من توظيف التقنية وإقرار التشريعات معاً، فمعظم المحتاجين من الناس لا يفضلون أكل بقايا طعام تناوله غيرهم، حتى وإن جاء من جمعيات حفظ النعمة.