لطالما قيل إن تعريف الجنون هو فعل الشيء نفسه المرة الأولى والثانية وتوقع نتيجة مختلفة. ووفق هذا التعريف، فإننا نحن هم المنفصلون عن الواقع إذا استمررنا في قبول ما يقوله لنا قطاع النفط والحركة الخضراء مرارا وتكرارا وظللنا نتوقع نتيجة مختلفة.

فالخضر ما انفكوا يقولون إنه نظرا لأن سعر الطاقة المستمدة من الشمس والريح بات اليوم رخيصا مثل الوقود الأحفوري، أو أرخص منه، فإنهم فازوا في حرب الطاقة. فمرحبا بكم في الكوكب الأخضر. وبالمقابل، تقول شركات النفط – مثلما قالت في كل أزمة طاقة سابقة منذ 1973 – إن الجواب الوحيد على أزمة الطاقة هذه هو الجواب الذي قدّمته على مدى الـ49 عاما الماضية: احفر يا حبيبي احفر. فمرحبا بكم في الواقع.

والواقع أن كليهما مخطئان، وقبول تكرار كلمات مجترة يؤذينا اقتصادياً وبيئياً وجيوسياسياً – وخاصة جيوسياسياً، في الآونة الأخيرة -- وذلك لأن إدماننا المستمر على الوقود الأحفوري يدعم روسيا المعتمدة اقتصاديا على النفط ويخلق وضعاً حيث بتنا في الغرب نموّل كلا طرفيْ الحرب: نموّل مساعدتنا العسكرية إلى أوكرانيا بواسطة دولارات ضرائبنا، بينما يموّل بعض حلفاء أميركا جيش بوتين عبر شراء صادراته من النفط والغاز.

وإذا لم يكن ذاك تعريف الجنون، فإنني لا أعرف ماذا يكون. لمدة طويلة جدا من الزمن، تعامل الكثيرون من الحركة الخضراء مع التحول الضروري والعاجل الذي ينبغي أن نقوم به من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة كما لو كان الأمر يتعلق بحركة زر أو مفتاح بسيطة – اترك النفط وحسب، اترك الغازولين، واترك الفحم، واترك الطاقة النووية – وافعل ذلك الآن، بدون إعداد آليات الانتقال، ومصادر الطاقة النظيفة، وتحفيزات السوق الضرورية للقيام بهذا التحول الكبير جدا في نظامنا الطاقي.

إنه حال ألمانيا في 2011، التي قررت فجأة، عقب حادث فوكوشيما، الإنهاء التدريجي لمفاعلاتها النووية الـ17 النظيفة والموثوقة نسبياً، والتي كانت توفّر 25% من كهرباء البلاد، وذلك على الرغم من أن ألمانيا لم يكن لديها ما يكفي من الطاقة الشمسية أو الريحية أو الحرارية أو المائية لتعويض تلك الطاقة النووية. ونتيجة لذلك، ها هي اليوم تحرق كميات أكبر من الفحم والغاز.

اليوم، يُعِد الاتحاد الأوروبي مخططا لوقف إدمانه على النفط والغاز الروسيين بحلول 2027؛ ولكن في غضون ذلك، يجني بوتين الكثير من المال. فكما أفادت قناة «سي إن إن» في أبريل الماضي، نقلا عن تقرير صادر عن «مركز بحوث الطاقة والهواء النقي»: فإن «العائدات الروسية من صادرات الوقود إلى الاتحاد الأوروبي ارتفعت خلال الشهرين الأولين من غزو أوكرانيا» – إلى 46,3 مليار دولار. أي أكثر من ضعف قيمة الطاقة الروسية التي استوردها الاتحاد الأوروبي خلال فترة الشهرين نفسها قبل عام.

ولكن، ليس لأن حجم واردات الاتحاد الأوروبي تضاعف. فقد شكّل ارتفاع أسعار النفط والغاز معظم تلك الزيادة. بعبارة أخرى، إن بوتين يطلق حرباً تتسبب في انعدام الاستقرار، الذي يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط؛ ولهذا، فإنه يجني ضعف المال الذي كان يجنيه من تصدير كمية النفط نفسها تقريبا.

ولعل أهم وهمٍ تواجهه الحركة الخضراء اليوم – التي أعتز بالانتساب إليها، وإن كنت أشتكي منها – هو قولها لنفسها إنه نظرا لأن سعر تكنولوجيا الطاقة الشمسية والريحية قد انخفض كثيرا الآن، فإنها تستطيع هزم الفحم والغاز الطبيعي في معظم الأسواق، بدون دعم في الغالب، وعليه، فإن «اللعبة انتهت» بالنسبة للوقود الأحفوري. والواقع أنني أتمنى ذلك، ولكن السعر ليس سوى نصف القصة.

فإذا كنت لا تستطيع إنشاء خطوط النقل لإيصال الطاقة الشمسية والريحية من الفضاءات الواسعة المفتوحة حيث يتم توليدها إلى المناطق الحضرية الكبيرة حيث هناك حاجة إليها – وإذا كنت لا تستطيع توفير وتخصيص مزيد من الأرض لإنشاء مزارع الطاقة الشمسية والريحية بالحجم الذي تحتاج إليه لتعويض الفحم أو الغاز أو النووي، فإنه لا يهم إن كانت طاقتك المتجددة أرخص على أساس الكيلو وات/الساعة.

على أن نقل الطاقة اليوم بات يمثّل مشكلة كبيرة في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث لا يريد كثير من الناس مزارع رياح، وحقول شمس، وخطوط كهرباء – أو خطوط أنابيب غاز طبيعي – في فنائهم الخلفي.

وفي الأثناء، تقول شركات النفط الكبيرة في كل أزمة جديدة، منذ الحظر النفطي العربي لعام 1973: أكيد أننا في حاجة إلى مزيد من الطاقة النظيفة، ولكن يجب أن تفهم – فهي لا تتوسع في الوقت الراهن، والحال أننا في حالة طوارئ؛ وبالتالي، فإن كل ما علينا فعله هو الحفر والتنقيب أكثر. اللازمة نفسها يسمعها المرء اليوم؛ ولهذا، بتنا نواجه خطر إضاعة أزمة نفط أخرى وعدم وضع حد لإدماننا على الوقود الأحفوري أبدا.

غير أنه يجدر بالشركات النفطية توخي الحذر لأن هذه المرة قد تكون مختلفة، بالنظر إلى مطالبة عدد متزايد من المستهلكين بسيارات كهربائية واضطرار عدد متزايد من القطاعات للتخلص من الكربون بسرعة تحت ضغط المستهلكين والموظفين.

وعليه، ينبغي على كل من الخضر وقطاع النفط أن يكونوا واقعيين: إذ ينبغي على الخضر السعي لتحسين ما يقومون به. و«هذا يعني مضاعفة معدلات تركيب الطاقة الشمسية ثلاث مرات، ومضاعفة خطوط النقل لمسافات طويلة، والقيام بكل ما هو ممكن من أجل تسريع الانتقال إلى السيارة الكهربائية، والشروع في استخدام الهيدروجين المتجدد في الصناعة»، كما يقول هال هارفي، الرئيس التنفيذي لشركة «إينيرجي إينوفيشن»، التي تساعد الشركات والبلدان على التحول إلى الوقود النظيف.

أما شركات الوقود الأحفوري، يقول لي هارفي، فـ«إنها في حاجة إلى تغيير نموذج أعمالها حتى يصبح متناغما مع الحياة على كوكب الأرض – بينما ما زالت لديها فرصة».

إن العصر الحجري لم ينتهِ لأن الحجارة نفدت، كما يقولون. وبالمثل، فإن عصر النفط لن ينتهي لأنه لم يعد هناك نفط. بل سينتهي بينما ما زالت هناك ملايين البراميل قابعة في باطن الأرض لأننا جعلنا استخدام النفط من أجل النقل قديماً ومتجاوَزاً.