تم إعلان الميزانية العامة للربع الأول لعام 2022، التي حققت المملكة فيها فائضا كبيرا في الربع الأول يصل إلى 57 مليار ريال بعد فترة عصيبة من العجز في الموازنة سبق وتزامن مع أزمة كوفيد - 2019، حيث بلغ مجموع إجمالي الإيرادات للربع الأول بلغ 277.959 مليار ريال، مسجلا ارتفاعا عن الربع الأول من 2021، الذي بلغ 204.761 مليار ريال بنسبة ارتفاع بلغت 36 في المائة. وإجمالي المصروفات للربع الأول بلغ 220.467 مليار ريال مسجلا ارتفاعا مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، الذي بلغ 212.204 مليار ريال. وسبب الارتفاع جاء من مصادر نفطية وغير نفطية مع التفاوت في نسبة الارتفاع بينهما، حيث بلغت الإيرادات غير النفطية للربع الأول لـ2022، 94.260 مليار ريال، مسجلة ارتفاعا مقارنة بالربع الأول من 2021، الذي بلغت نحو 88.185 مليار ريال بنسبة ارتفاع بلغت 7 في المائة نتيجة لتحسن الأنشطة الاقتصادية والتعافي الاقتصادي. وأفادت بأن الإيرادات النفطية بلغت خلال الربع الأول من 2022، 183.699 مليار ريال مسجلة ارتفاعا مقارنة بالربع الأول للعام السابق، الذي بلغ 116.576 مليار ريال، حيث ارتفعت 58 في المائة مدفوعة بارتفاع أسعار النفط.
الملاحظ أن الإنفاق لم تتم زيادته بشكل كبير رغم الفرق الهائل بين الإيرادات في الربع الأول لـ2021 والربع الأول لـ2022، حيث لم تتجاوز الزيادة تقريبا 7 في المائة، رغم الخطط والبرامج الكبيرة التي يتم العمل عليها حاليا في المملكة ويظهر معها جليا أن المملكة بدأت تعتمد مسار الاستدامة والعمل على البرامج الاستراتيجية دون النظر إلى حجم الإيرادات، وهذه مقدمة للتحول فعليا إلى تنويع مصادر الدخل والاستدامة في تلك المصادر، حيث يكون هناك عمل على البرامج والمشاريع بعيدا عن تأثرها بالإيرادات، إذ إن هذا هو الطريق المثالي للوصول إلى الأهداف التي حددتها رؤية المملكة 2030، واستمرار واستدامة برامج التنمية بعيدا عن تقلبات أسواق الطاقة وأن يتم الاستفادة من الفوائض لتغطية العجز المحتمل مستقبلا وبناء منظومة اقتصادية متينة ومهيأة لمرحلة ما بعد الاعتماد على النفط والتنوع في مصادر الدخل.
واحدة من التحديات التي يمكن أن تواجهها الأسواق اليوم هي التقلبات والاتجاهات غير الواضحة والمعالم الأكثر ضبابية في ظل وجود مستجدات لم تكن في حسابات كثيرين، فالتضخم اليوم أصبح تحديا كبيرا يواجه العالم دون استثناء، كما أن الإجراءات التي يتخذها بعض الدول بإيقاف تصدير سلع ضرورية للعالم يعد كارثة قد يحول أسعارها إلى أضعاف سعرها قبل الأزمة فضلا عن صعوبة توافرها للمستهلكين، واليوم ونحن نسمع بتزايد أعداد المصابين من المتحورات الجديدة لكوفيد - 19 في الصين والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ودول أخرى حول العالم قد يعيد ذلك مجموعة من الحسابات للأسواق في العالم، وهذا كله في كفة والأزمة التي يمكن أن تنشأ وتتوسع حاليا وبدأت بأزمة أوكرانيا التي قد تمتد لفترة طويلة بناء على شواهد من خلال الإجراءات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومجموعة من إجراءاتها قد تبدأ بعد عامين أو ثلاثة مؤشر على أن هناك حربا قد تطول بين المعسكرين الشرقي والغربي مع تصاعد لقوى عالمية جديدة تجد نفسها مضطرة لاتخاذ موقف قد يقسم العالم.
التحديات الاقتصادية العالمية كبيرة ومفاجأة لكثيرين، وبالتالي فإن التحديات بحجم تلك المصاعب التي يمكن أننا حتى الآن لم نصل إلى ذروتها، ولذا فإن الاستعداد لتلك المتغيرات والاستفادة منها قدر الإمكان لتحقيق مجموعة من المصالح له أهميته وهي فرصة قد لا تتكرر، ولذلك فإن الاستمرار على مستوى مناسب من الإنفاق مع التركيز على البرامج الاستراتيجية باتجاه رؤية المملكة 2030 بارز وواضح في توجه الميزانية العامة، وهو ما يحقق المصالح للوطن والمواطن للحد من الارتفاع الكبير في الأسعار نتيجة للاندفاع في المشاريع وضخ كثير من السيولة في السوق، مع وجود التضخم وتوقع زيادته في الفترة المقبلة.
الخلاصة: إن الميزانية العامة للمملكة اليوم تشهد تحولا إلى تحقيق فائض نتيجة الارتفاع في أسعار النفط، وفي الوقت نفسه حافظت الميزانية في إنفاقها على الاتزان والاستدامة، حيث لا يؤثر دخل النفط في مسار المشاريع والبرامج الحكومية، سواء في حالتي الارتفاع أو الانخفاض.