حين نُطرق السمع لسماع ما يجري في بعض الدول العريبة، أو نسمح لأنظارنا لمشاهدة الصور والأعمال الصادمة التي تمر بها هذه الدول، سوف نكتشف كم من المآسي تمر بها بفعل من يدعون الإخلاص والصدق في الدفاع عن دولهم، بينما ما يخفونه - وهو مكشوف - من نوايا وأهداف أكبر وأخطر في حياة الناس ومستقبل هذه الدول.

هل تريدون شواهد، أو أمثلة على ذلك، هل هناك ما هو أسوأ مما يجري في العراق ولبنان واليمن وسوريا وتونس والسودان وليبيا، حيث تعاني من الفوضى والفساد وغياب حقوق الإنسان وحرية الرأي، والقتل على الهوية، وضياع الحقوق، ما يجعل الصورة عن هذه الدول مظلمة وقاتمة، وتنذر بما هو أسوأ من ذلك بكثير.

في العراق، ومنذ أشهر انتهت الانتخابات النيابية، كسب من كسب ممن ليسوا مع إيران وخسر من خسر من الموالين بالتبعية لإيران، فلم تقبل الفئات التي خسرت بالنتائج، شككت بالعملية الانتخابية، وعندما تبيَّن أن فرز الأصوات كان نزيهًا، لجأت إلى رفض أن يتولى التكتل الأكثر حصولاً على الأصوات في تشكيل الوزارة، وحالت بذلك دون انتخاب رئيس للبلاد، وعطَّلت تشكيل الوزارة، وما زال عملاء إيران على هذا الموقف.

في لبنان جرت الانتخابات اللبنانية، وخسر الموالون لإيران الكثير من الأصوات، ولم يعودوا الآن يشكِّلون الأكثرية في البرلمان كما كانوا من قبل، ولا زالت الاستحقاقات لانتخاب رئيس لمجلس النواب ونائب له، وتسمية رئيس الوزراء وأعضاء المجلس تراوح في مكانها، فالخاسرون وكلاء إيران من حزب الله إلى أمل إلى الوطني الحر يعطِّلون عن تعمد وقصد إنجاز الاستحقاقات، مع ما في هذا من إهدار لمصالح لبنان واللبنانيين.

وفي اليمن فتش عن الدولة التي تعيق منع الحوار بين اليمنيين، وتغذي استمرار القتال، وستجد أنها إيران كما هي في العراق ولبنان، يعني أن طهران تلعب دور المخرِّب للدول الثلاث، مستخدمة المذهب في الدين لتأجيج الصراعات، وخلق الفتن، وتغييب المصلحة العامة، واستخدام عناصر محلية للحرب بالوكالة عنها.

في سوريا لا تكتفي إيران بأن تكون جزءاً من المشكلة، واحتلال الأراضي السورية، وإنما تدفع بحزب الله اللبناني ليكون عضدها المؤتمن في تخريب الوضع في سوريا، دعماً لنظام بشار، وتكريساً للاحتلال الروسي والأمريكي والتركي إلى جانب إيران لهذا البلد الجريح، حتى أصبحت سوريا دولة محتلة، تتقاسم هذه الدول النفوذ في أراضيها، وكأن العالم (ما شاف حاجة) أو أنه لا يرغب أن يرى ذلك.

الوضع في ليبيا مختلف، فالمحتل هنا تركيا وليس إيران، لهذا فمنذ سقوط نظام معمر القذافي وليبيا في حروب أهلية لم تتوقف، تغذيها تركيا وربما روسيا، ولدول أخرى مصلحة أيضاً في عدم استقرار البلاد، ومثلها تونس فتركيا تلعب بورقة تونس، وتعاضد تيار (الإخوان المسلمون) ضد رئيس البلاد وما يقوده من إصلاحات ضد الفاسدين المفسدين.

أما السودان فمنذ سقط البشير ونظامه والبلاد في حالة هيجان ومظاهرات، ورفض لكل الحلول والخيارات للتهدئة إلى أن تتم الانتخابات في الفترة التي تم التوافق عليها. فتشوا من يكون وراء هذا غير أعداء السودان.

لهذا لا غرابة أن تكون هذه الدول بهذا الوضع، طالما قبل النافذون فيها بالتدخل الأجنبي في شؤون بلدانهم، وفتحوا المجال للتعاون مع الأجنبي المتآمر، ولم يفكروا أبداً بمصلحة دولهم ومستقبلها في ظل التنازع والتجاذب من أجل السيطرة على الحكم، واستغلال ثرواته، حتى ولو تم ذلك بإراقة الدماء، وتخريب المنشآت، وإبقاء الدول في حالة من عدم الاستقرار.