هل هو الحب أم الغربة في الوطن ذلك الذي أفشل كل بروتوكولات التباعد الاجتماعي خلال السنوات الثلاث الماضية؟ الجهل بخطورة الوضع، أم هي الحميمية التي تسقط في بئر الخوف؟

رغم صعوبة الأسئلة، ورعونة الإجابات، إلا أن الواقع يفرض تقاليده، يرسم شخصيته، ويحدد هويته، عندما تهجم علينا جائحة، أو يتهجم فيروس، أو يتجهم مشهد، تبدأ الناس في تغيير سلوكياتها، هل كورونا انتهت حتى لا نرتدي الكمامة مجددًا، أم أنها الأمنية بانفتاح تام؟ هل هي الحياة التي لا تحتاج لظرف آمن، أم انه الفخ الذي تنصبه الطبيعة؟ هل هو الغياب المؤقت عن مسرح العمليات اعتمادًا على لقاحات أتت أُكلها أم أنها الحالة الوردية التي تتسم بالتفاؤل، وتتجلى بالتنازل عن الاحتراز، والقبول بالأمر الواقع حتى لو ظهرت حالات لبقايا جائحة، أو علامات لمرضى على الفراش؟

هذه الملاحظات وغيرها ربما لا ترتقي إلى مصاف الأسئلة، ذلك أن الإجابات عنها تستدعي علماء يفسرون لنا تواري كورونا المؤقت، ويحللون أمامنا دخول القرود على خط التماس مع شبه وباء أطلقوا عليه بـ«جدري» هذا المخلوق «المظلوم».

قد تكون الطماطم البريئة التي أخرجوا من بذورها نوعًا جديدًا من الانفلونزا، أو يكون الجزر الذي قد يتسلل خلسة إلى المشهد المتلبس وفي طياته وباءً محتملاً، ومن يدري؟!

يقولون إنها المعامل «المغرضة» في الصين، أو أوكرانيا، ويشيرون بأصابع الاتهام إلى استثمارات بالبلايين في مقاطعات نجل الرئيس الأمريكي بايدن، ويقولون إنها الحرب البيولوجية التي قد تشيطن الأجواء بين الشرق والغرب، أو بالأحرى بين روسيا وأوكرانيا، أو بمعنى أدق بين الناتو وبقايا وارسو.

هي معادلات لا تخرج إلى الناس بأية نتائج حاسمة، لكنها الأوبئة التي تمر خلسة من ثقوب الأبواب المغلقة، حتى تصيب ما يمكن إصابته، وتهدد ما يمكن تهديده، وتقضي على ما يمكن القضاء عليه.

هو إنذار شديد اللهجة من الغرب حتى ترتدع الباندا الصينية، وحتى يتوقف الدب الروسي عن المضي قدمًا إلى ما بعد «خور كييف»، وربما إلى أبعد من أوكرانيا «بجلالة قدرها».

هي الحبوب التي شارفت على الاختفاء، وهي حربها المستعرة في البورصات العالمية منذ نشب القتال بين البحار المشتعلة الثلاث، «الأسود»، و«البلطيق»، و«قزوين»، وما بينهم من ود قديم وحدود مستقاه من امبراطورية غربت عنها الأضواء وتوارت خلف الوهج المزيف، ولم تترك إرثًا ثقيلاً أمام بوتين حتى يحلم مجددًا بالمجد الذي أضاعه يلتسين ومن قبله ميخائيل جورباتشوف.

هي مجموعة من الاعتبارات تداخلت لتفتك بالتوقعات، وترمي من دون رامٍ ذلك الصنم الذي يعبده بنو البشر ويسميه أطراف الحرب المستعرة بـ«الأمن» الذي بات مهددًا، وبالحدود التي أصبحت أكثر من رخوة، والبلاد التي ذاب جليدها في رحم الهجوم الروسي اليومي على كل المناطق المستهدفة، وتلك التي يختفي خلفها قادم أوروبي جديد، وحالم بقومية تتحدث الروسية من أقصى سيبيريا حتى الأدنى من بولندا ورومانيا، يقولون إنها أطماع بوتين المجنونة، ويقولون إنها حقه الذي لا يسقط بالتقادم، وهي حدوده التي تم اختطافها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق.

في جميع الأحوال الوباء الذي يحمله مثلث متساوي الأبعاد، لا يبتعد كثيرًا عن الحرب البيولوجية المنطلقة خلف اتون الصواريخ المنطلقة من محاجرها، وهو التحدي الذي بات على العالم مواجهته ودفع ثمنًا باهظًا لتكاليفه المرعبة بعد أن اتضح يقينًا بأن جميع العقوبات ارتدت إلى صدور مطلقيها، وأن الأسلحة الفاسدة التي يستخدمها الغرب من أجل مد أمد الصراع الروسي الأوكراني إلى ما لا تحمد عقباه، هذا في حد ذاته سوف ينهك روسيا بطبيعة الحال، تمامًا مثلما سينهك الغرب حرب لا مهزوم فيها أو منتصر، لا غاصب فيها أو مغتصب.

أوبئة، وحروب، وصراع قوميات، لا صراع حضارات، وعمليات عسكرية لا نعول عليها كثيرًا، ولا نفتش عن الدمار الهائل الذي خلفته رغم آلام الناس ومعاناتهم، بقدر ما يجب أن نفكر طويلاً في كيفية درء المخاطر عن حدودنا، في آلية التعاون الإقليمي من أجل تحقيق أكبر استفادة ممكنة من ارتفاع النفط، والتقليل بقدر الإمكان من تداعيات نقص السلع، وارتفاع أسعارها، واحتكار الحلول.

صحيح من أطلق العفريت هو وحده الذي يستطيع أن يحجمه، لكن الصحيح أيضًا أن كل طرف يغني على ليلاه، وأن مسؤوليتنا ليست في إنهاء حربًا بعيدة، أو في إخفاء حقائق أكيدة، إنما في تشديد الاحتراز من وباء لم يدر حتى اللحظة ظهره إلينا، ومن آخر يطل بأعناقه المرعبة علينا.