قرع الأخ العزيز مشاري العنجري، نائب رئيس مجلس الأمة السابق، في مقاله «المحذور والمحظور في تعطيل الدستور»، الناقوس الدستوري قبل أن تتحول «الإشاعة» عن تعطيل الدستور إلى حقيقة وواقع سياسي، وهو «تنبيه»، بل تحذير وطني المضمون والهدف.

ودق ناقوس مشاري العنجري بصوت عالٍ وبرسالة صريحة لا ينبغي التهاون فيها ولا تفسيرها على نحو غير صحيح أو بقراءة المتفرج، بتوجيه السؤال: «أليس من الأسهل والأيسر على السلطة الالتزام بالدستور والقانون والجدية في محاربة الفساد، بدلاً من القفز إلى المحظور بتعطيل الدستور؟!».

صحيح أن «الأجواء مشحونة بالإشاعات المغرضة»، ولكن لابد لهذه الإشاعات أن يكون لها مصدر ومبررات سياسية المنشأ حتى لو بلغت «احتمال تعطيل الدستور»، فمن الخطأ فصلها عن الوضع السياسي المفزع، الذي نشهده حالياً بصفة خاصة على المستوى الشعبي والنيابي خاصة.

ولعل التعقيدات السياسية التي تئن منها الكويت حالياً لها علاقة بالانحرافات الممتدة منذ زمن وحتى اليوم، فالكويت تعيش فراغاً سياسياً يزداد عمقاً وخطراً على النظام الدستوري ككل بعد ثبوت تجميد جلسات مجلس الأمة وغياب تشكيل وزاري جديد!

لقد تُوجت التطورات الأخيرة في مجلس الأمة باعتصام بعض النواب في المجلس، وتفاعل جماهيري واسع النطاق خارج المجلس وفي وسائل التواصل الاجتماعي، ومن النقابات وجمعيات النفع العام والتيارات السياسية إلى ترجمة «تنبيه» مشاري العنجري من المجهول الأعظم القادم!

فلم نعد نلمح عودة مشاهد دواوين الإثنين، كما حصل في عامي 1989و1990، بل إنها شبه عائدة ومماثلة، وربما بشكل «أعنف»، بعد الإعلان عن «تحرّك شعبي» كما ورد في نص بيان ديوان رئيس مجلس الأمة السابق العم أحمد السعدون مؤخراً.

لا شك أن هناك عقلاء وحكماء في العمل السياسي الوطني والبرلماني، الذين يخشون على شريحة الشباب من الانفعال في التعبير والتصرف، حتى لا تسود الفوضى السياسية والغوغائية الإعلامية في الشارع الكويتي، وهو ما يستدعي تدارك الوضع العام والتحرك العاجل من قبل السلطة.

ونتمنى أن تتلقف السلطة بتناغم وتفهم إيجابي النصائح بقراءة متأنية لمصلحة حماية النظام الدستوري للدولة ولمصلحة الفصل بين اختصاص السلطتين التنفيذية والتشريعية ومنع التداخل أو التدخل في اختصاص الحكومة نيابياً.

إن الكويت تمر في منعطف خطير بمنتهى الغاية، ولا ينبغي التهاون في ما نشهده اليوم من استياء وغضب شعبي، فالفراغ السياسي ممكن أن يقود إلى تعقيدات لن تكون في مصلحة الاستقرار السياسي المنشود قيادةً وشعباً.

فقد دبت انقسامات جماهيرية شتى في المجتمع الكويتي بين فصيلين، أحدهما ضد النظام الديموقراطي والمطالبة بحل البرلمان وتعليق الدستور، والآخر- برأيي - هو الأكبر حجماً وثقلاً مع حماية النظام الدستوري من العبث والفراغ السياسي والمطالبة بالعودة إلى صناديق الاقتراع.

وبلغ الاحتدام الجماهيري في وسائل التواصل الاجتماعي وفي الشارع السياسي عموماً بين الفصيلين، لدرجة بروز معركة إعلامية بين فريق ما يمكن اعتباره من نواب حكومة الظل، ومعارضين لهم من مجاميع أخرى نيابية وشعبية.

ولا شك أن تجاهل الصدام الإعلامي والغضب الشعبي وحجم الفراغ السياسي والجمود عموماً، بسبب تداخل وتشابك الاختصاص في السلطتين التشريعية والتنفيذية، لدرجة لم نعد نعرف طبيعة الدور التنفيذي للحكومة، هو ما قد يزعزع الأمن القومي والاستقرار السياسي عموماً!

ويبدو أن ثمة فزعاً سياسياً من الانتخابات المُبكرة، خوفاً - بتقديري - من تغيير انتخابي أشد معارضة للحكومة وأشرس في المواجهة من السابق، علاوة على تغيير محتمل جداً في تركيبة المجلس. فمن الخطأ الجسيم الاستهانة بحجم الفراغ السياسي ومخاطره وتحدياته، فقد تحولت الساحة السياسية والإعلامية إلى معركة شبه وجودية بين عدد من نواب الأمة وتيارات سياسية، وأخرى قد تهدد ديمومة الاستقرار السياسي للدولة ونظامها الديموقراطي.

وليس في مصلحة الدولة استمرار الاحتقان الشعبي والاشتباك في معارك إعلامية إلكترونية شرسة ضد ومع عدد من النواب، حتى بلوغ معارك نيابية كسر العظام ضد بعض الشيوخ، لدرجة بات النظام الديموقراطي لقمة سائغة لمن لديه عداء تاريخي ضد النموذج الدستوري الكويتي!

إن دستور الدولة يعد حماية لأسرة الحكم والنظام السياسي ككل، لذا نتمنى على جميع الأطراف المعنية إدراك المخاطر والتحديات من الفراغ السياسي، فنحن ننصح وننبه كشركاء في المصير ونقرع النواقيس الدستورية لمصلحة الكويت وازدهارها في الحريات والحفاظ على المكتسبات التاريخية.

لا يمكن للنواقيس الدستورية أن تُقرع إلى ما لا نهاية، فالنظام الدستوري يتضرر بلا شك من الفراغ السياسي، ويستفيد في الوقت نفسه منه الساعون إلى تنقيح الدستور أو تعطيله لغايات، منها كبح الحريات وطمس المكتسبات الدستورية وليس العكس!