أول اسم يقفز إلى رأسك حينما يكون الحديث عن المعلقين الرياضيين في الخليج العربي هو اسم المعلق الكويتي «خالد الحربان» الذي استوى على عرش التعليق الرياضي دون منازع منذ عقد السبعينات من القرن العشرين والعقود التالية. أما السر في ذلك، فلا يعود إلى قوة حباله الصوتية فقط، أو إلى إستخدامه اللهجة الكويتية الدارجة المحببة فحسب، وإنما أيضا لقدرته الفذة على استنباط الجمل والعبارة الكروية المناسبة لوصف ما يجري في الملعب من هجمات متبادلة بين طرفي أي مباراة وخلطها بالقفشات العفوية المضكة، دعك من وصف المستديرة الساحرة وهي تنتقل من قدم إلى قدم بطريقة مبتكرة.

إلى ما سبق، استمد الحربان شهرته المدوية من اختراع أسماء شهرة للاعبين الكويتيين وغيرهم مثل: «المرعب» (جاسم يعقوب)، و«الفارس الأسمر» (فتحي كميل)، و«الصخرة السوداء» (مرزوق سعيد)، و«المخلــّص» (عبدالعزيز العنبري)، وهكذا. ومن هنا لم يكن غريبًا أن يُطلق عليه الجمهور وكتاب الصفحات الرياضية والوسط الرياضي لقب «شيخ المعلقين الرياضيين»، ولقب «أيقونة التعليق الرياضي». تعالوا نجول في عالم الحربان ونكتشف شيئًا من سيرته المجهولة التي لم يكتب عنها بالتفصيل سوى القلة القليلة.

ولد خالد يوسف الحربان في 21 نوفمبر 1944 في فريج الشرق بمنطقة المطبة في العاصمة الكويت. والده من عائلة الحربان التي عـُرفت باشتغالها بالغوص قديمًا، وأخواله من عائلة الرقم الذين اشتهروا بالعمل في دلالة الأراضي والبيوت. نشأ في صغره على يد جدته وأخواله لأنه فقد والده في سن الثانية خلال إحدى رحلاته البحرية إلى البحرين ما جعله حذرًا من البحر وأهواله، ثم فقد والدته وهو في سن السادسة، الأمر الذي تسبب في يتمه مبكرًا.

تلقى الحربان تعليمه في مدارس الكويت ومن ضمنها مدرسة النجاح الابتدائية ومدرسة الصديق المتوسطة ومدرسة كيفان الثانوية. غير أن مدرسة الصديق في حولي لها مكانة خاصة عزيزة عنده كونها المدرسة التي شارك في أنشطتها الرياضية ولعب كرة القدم مع فريقها، فسطع نجمه في تلك الفترة المبكرة من حياته بدليل أنه تم اختياره كلاعب أساسي في منتخب المدارس، ومن ثمّ في منتخب الكويت الكروي الذي أرسل إلى المغرب سنة 1961م لتمثيل البلاد في الدورة العربية الرياضية في تلك السنة، وهو المنتخب الذي ضمّ، إضافة إلى الحربان، اللاعبين عبدالله العصفور وسالم الياقوت ومشاري العنجري ويوسف السميط وبدر العمير وراشد مبارك وعبدالكريم عبدالرضا. وهكذا ظل الحربان أحد أعمدة منتخب الكويت الوطني في الفترة من 1961-1963.

سافر الحربان إلى القاهرة في منتصف الستينات تقريبًا لإكمال تعليمه ما بعد الثانوي. وهناك التحق بالمعهد العالي للتربية البدنية بجامعة حلوان، الذي تخرج منه سنة 1968، كما التقى هناك للمرة الأولى بمن يعتبره أستاذه ومعلمه وهو المعلق الرياضي المصري الأشهر «كابتن محمد لطيف». وبمجرد عودته إلى الكويت التحق بوزارة التربية والتعليم فعمل مدرسًا للتربية البدنية أولا في مدرسة الصديق المتوسطة ولاحقًا في مدرسة كيفان الثانوية. ثم توالت عليه الترقيات الوظيفية فنـُـقل إلى ديوان وزارة التربية والتعليم ليشغل أولًا منصب رئيس قسم الإذاعة المدرسية بإدارة النشاط المدرسي، ثم منصب مراقب عام الأنشطة، فمنصب مدير الأنشطة المدرسية حتى عام 1992، وهو العام الذي قدم فيه استقالته ليتفرغ للتعليق الرياضي.

وما بين هذا وذاك، عمل الحربان مدربًا في النادي العربي قبل أن يصبح أمينًا لسره. وقد أدى انخراطه المبكر مع هذا النادي إلى أن يصبح «عرباويا» مخلصًا حتى النخاع. لذا قيل إن الحربان يفقد حياديته أثناء التعليق إنْ كانت المبارة تجمع ما بين النادي العربي وأي نادٍ آخر. كما شغل الحربان منصب أمين السر في الاتحاد الكويتي لكرة القدم لمدة سنتين ثم منصب رئيس الاتحاد حتى العام 1982، علاوة على ترؤوسه اتحاد كرة اليد لمدة 14 عامًا. وكان كذلك ضمن المرشحين لتولي منصب أمين عام اللجنة الأولمبية الكويتية خلال فترة تولي الشيخ فهد الأحمد الصباح رئاسة هذه اللجنة.

بعيدًا عن الرياضة، التي شغلته منذ الصغر ولم يفارقها سواء في المدارس أو الملاعب أو الاستوديوهات أو الدورات أو المؤتمرات، وكانت سببًا في نجوميته وشهرته وتعلق الجماهير به، نجد أن الحربان نال بعض شهرته من اطلالته على الشاشة الفضية، حينما راح يقدم منذ السبعينات والثمانينات، وعلى مدى خمس عشرة سنة متواصلة، برنامج المسابقات التعليمي «مع الطلبة»، والذي كان يحظى بدعم من وزارة التربية والتعليم ومتابعة واسعة من قبل طلبة وطالبات المدارس.

أما التعليق الرياضي الذي امتهنه الحربان وبرع فيه أيما براعة، بحيث صار جزءًا من ذاكرة أجيال من الرياضيين والمشاهدين والمستمعين ومحبي كرة القدم تحديدًا، فتعود بداياته إلى فترة دراسته في مدرسة الصديق بحولي. في هذا السياق كتب الصحفي اللبناني المقيم في الكويت حمزة عليان في الصفحة 87 من الجزء الثالث من كتابه «وجوه من الكويت» (منشورات ذات السلاسل /‏‏ الكويت/‏‏ الطبعة الأولى/‏‏ 2012): «عشق الحربان التعليق الرياضي منذ الصغر، كما يقول في أحاديثه، عندما كان طالبا في مدرسة الصديق، وتنبأ له زميل مصري بأن يصبح معلقًا رياضيًا في المستقبل. بعدها قّدم طلبًا للتعليق عبر التلفزيون، ووصل الكتاب إلى السيد رضا الفيلي، الذي قال له أنه كان يعتقد بأن إسمه خالد الرقم، لأن خواله من عيال الرقم..». غير أن المعروف هو أن الحربان دخل مجال التعليق الرياضي من بوابة الإذاعة قبل التلفزيون طبقًا لما ذكره في حوار مع جريدة الأنباء الكويتية (3/‏‏5/‏‏2011). فقد كان ضمن فريق وزارة التربية والتعليم في مصر، ودعي هناك ليعلق إذاعيًا على مباراة بين فريقي الأهلي والزمالك المصريين لحساب إذاعة الكويت، فبذل جهدًا كبيرًا وصفه بـ«الدرس الأول والأصعب».

في مكان آخر من كتابه المذكور آنفًا، أشار حمزة عليان إلى أن الأقدار قادت الحربان ذات مرة في الستينات إلى التعليق على مبارة في كرة القدم بين فريق الإسماعيلي المصري وفريق العربي الكويتي، فسمعه وكيل وزارة الإعلام آنذاك «سعدون الجاسم» وأعجب بأدائه، فأوكل إليه مهمة التعليق على مباراتين. ثم جاءت دورة كأس الخليج الأولى في البحرين في سنة 1970 التي شارك فيها الحربان بالتعليق الإذاعي فقط؛ لأن البلد المستضيف للدورة أي البحرين لم يكن لديها وقتذاك بث تلفزيوني (تغير هذا الوضع في النسخة الثانية للدورة بالرياض عام 1972، حيث بدأ النقل التلفزيوني بتسجيل الصوت في جدة ودمجه مع الصورة التي كانت تأتي من الرياض ثم إرسال الشريط على عجل لعرض المباراة في اليوم التالي بتلفزيون الكويت). بعد تجربة التعليق على مباريات دورة الخليج الأولى انطلق الحربان في عالم التعليق الرياضي بسرعة صاروخية، وراح اسمه ينتشر في كل أصقاع الخليج والعالم العربي، خصوصًا بعدما عرفه الجمهور الرياضي صوتًا وصورة منذ دورة الخليج الثانية بالرياض. وقد اعترف الرجل في حواره مع برنامج «المختصر» من تلفزيون MBC في 9/‏‏12/‏‏2018 بأن من سانده في تجربة التعليق ابتداءً هما وكيل وزارة الإعلام سعدون الجاسم ورئيس النادي العربي أحمد عبدالصمد.

أما أول درس تعلمه في مشوار التعليق الرياضي فهو «أن يتواضع ويحترم الميكروفون» طبقا لما صرح به للأستاذة هالة أحمد العمران، ونشرته صحيفة «عالم اليوم» (25/‏‏5/‏‏2008). وهذا صحيح إذا ما عدنا إلى ما كتبه حمزة عليان في الصفحة 86 من كتابه آنف الذكر، حيث كتب المؤلف: «من شدة احترامه لمهنته وجمهوره، وقبل خروجه إلى الملعب، كان يجري بروفة مع شخصه في المرآة، حيث يدخل الحمامات ويضع أمامه علبة مياه، ويبدأ في التعليق ليسمع صوته بنفسه. وعندما سئل لماذا تفعل هكذا؟ أجاب كي أكسر الرهبة».

وفي مسيرة الحربان التعليقية حكايات طريفة ومواقف محرجة وقفشات مضحكة لخص الكاتب حمزة عليان بعضها بقوله: «من قفشات الحربان التي لا تنسى، عندما لعبت الكويت ضد كوريا الجنوبية عام 1974 في تايلاند، واستطاع محمد سلطان تسديد كرة صاروخية في مرمى الخصم، كان تعليقه (طمرت، وبنطلوني إنشق)، كتعبير عن إعجابه بحلاوة الهدف. وفي مناسبة ثانية كان يغطي مباراة فريق كوري مع الكويت، ولصعوبة نطق الأسماء أطلق على كل اللاعبين الكوريين اسمًا واحدًا هو (كيم سونغ)، وفي عام 1974 أثناء نهائيات كأس الخليج في الكويت، ومع أول هدف لفتحي كميل، ناداه على الهواء مباشرة بالفارس الأسود لكنه سرعان ما صحح الاسم إلى الفارس الأسمر معترفًا بأنه (خربط)...».

ومن الحكايات الأخرى ما أورده بنفسه في برنامج المختصر (مصدر سابق)، حيث أخبرنا أنه قبل مباراة الكويت وكوريا الجنوبية في نهائي كأس آسيا 1980 ذهب إلى جدته ومعه فانيلة اللاعب سعد الحوطي وطلب منها أن تقرأ عليها ثم طلب من اللاعب أن يرتديها قبل بدء المباراة، فكان أن سجل الحوطي الهدف الأول بعد 5 دقائق من بداية الشوط الأول. وفي حواره مع برنامج «كورة» من قناة روتانا خليجية (20/‏‏11/‏‏2014)، قال الحربان ما مفاده إن الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز رحمه الله طلب، من خلال إبنه الأمير فيصل بن فهد الرئيس العام الأسبق لرعاية الشباب، أن يشاهد شريط مباراة الكويت والسعودية التي أقيمت في عام 1984 وفازت فيها السعودية 4-1، وذلك إعجابًا بالمباراة ومعلقها الحربان الذي توخى الحياد في النقل، خصوصًا حينما صرخ «كبييييرة يا ماجد» (في إشارة إلى اللاعب ماجد عبدالله)، وهي عبارة أغضبت الكويتيين ولم يتوقعها السعوديون أن تأتي من معلق كويتي.

كما أخبرنا في الحوار نفسه أن الأمير فيصل بن فهد، الذي حصل منه على أعلى أجر في حياته نظير التعليق، تولى الدفاع عنه وعن كفاءته حينما راحت بعض الصحف العربية تهاجمه بسبب وقوع الاختيار عليه في عام 1993 للعمل ضمن معلقي قناة أوربيت الرياضية التي كانت تبث من إيطاليا. والجدير بالذكر أن الحربان كان أول معلق يتم اختياره لهذه المهمة، وقد استمر بالتعليق على المباريات وتقديم البرامج الرياضية طوال فترة بث هذه القناة، وبعدها انضم الى أسرة قناة الوطن كمستشار ومعلق. ويمكن القول إن سنوات عمله في إيطاليا هي التي جعلته من عشاق الكرة الإيطالية ومن مؤيدي نادي ميلانو تحديدًا.

وتطرّق أيضًا إلى ما حدث بينه وبين المتخب الكويتي في استراليا، حينما طلب منه كابتن المنتخب أن يقدم له تهنئة بميلاد إبنته «بشاير» أثناء التعليق على المباراة، فأخبره إن ذلك غير ممكن، لكنه استدرك وأخبر العنبري أن التنهئة مرهونة بتسجيل هدف، وبالفعل سجل العنبري هدفًا في مرمى المنتخب الاسترالي ليطلق الحربان عبارة غير مألوفة «هلت علينا بشاير العنبري»، وظل يكررها دون أن يعرف أحد قصتها الحقيقية لحظتئذ، وفي نفس الوقت حقق للعنبري طلبه بكل ذكاء.

قلنا إن الحربان عاصر مجريات وخلفيات كل دورات الخليج منذ نسختها الأولى في البحرين، وبالتالي هو خير من يعرف أسرارها وتفاصيلها. يقول الرجل عن نسخة الدوحة سنة 1976 إنها شهدت نقطة تحول حقيقية بسبب وجود مندوبين فيها موفدين من مختلف الصحف الخليجية. وهو ما تسبب في صدور التصريحات الساخنة التي وصلت إلى درجة «الشتائم» على حد وصفه، بمعنى أن كل صحيفة كانت تنقل تصريحات وفدها، ثم ترد الصحيفة الأخرى عليها، مشعلة الموقف.

الذين تابعوا لقاء الحربان في برنامج «كورة» المشار إليه آنفا، شاهدوه وهو متأثر ويكاد أن يبكي، بسبب الجحود وقلة الوفاء. وملخص الحكاية أن رئيس بعثة بلاده الكروية إلى النسخة 22 من دورة كأس الخليج في الرياض رفض إنضمامه للوفد الإعلامي الرسمي المرافق، فكان ذلك الرفض بمثابة ضربة للحربان في الصميم، هو الذي لم يغب عن دورات الخليج منذ نسختها الأولى. غير أن ما أزال عنه شيئًا من الحزن هو موقف وزير الإعلام الكويتي الذي أمر بسفره للرياض لمتابعة الدورة تقديرا لعطائه وخدماته للرياضة الكويتية على مدى 44 عامًا، وتأكيدًا على موقعه كواحد من أبرز المعلقين الرياضيين العرب. ثم موقف الوسط الرياضي السعودي الذي أحاطه بالود والتقدير وأفاض في مدحه وذكر مآثره، الأمر الذي رد عليه الحربان بالقول إن ما وجده في السعودية كان عكس ما وجده في الكويت، مشيرًا إلى وجود حرب عليه في بلده بدليل إيقافه عن التعليق بحجة تقدمه في العمر، وهي حجة وصفها بالواهية «لأن مهنة التعليق لا ترتبط بعمر محدد كالمهن الأخرى».

على أن الحربان عاد في سنة 2018 ليظهر مرة أخرى على الشاشة في مشهد دامع وصوت متحشرج، لكن لسبب مختلف. ففي برنامج «المختصر» آنف الذكر أخبر المشاهدين أنه «مديون ومنزله مرهون لهذا السبب»، مضيفًا أن صدره قد ضاق ذرعًا ويعيش في أجواء صدمة لأنه لا يستطيع التصرف بالبيت بسبب الأنظمة المرعية في الكويت، وملفتا النظر إلى أن البيت تم تسجيله باسمه بعد أن منحه إياه أمير الكويت الراحل الشيخ صباح السالم الصباح كحال جميع اللاعبين الذين حصلوا على مكافأة من سموه بعد الفوز بكأس الخليج الأولى لكن البيت يجب الآن أن يعود إلى ملكية الدولة حسب الأنظمة «رغم أنني أعيش فيه مع أولادي وأغراضي ولا أملك سواه».

سألوه ذات مرة عن سر إصراره على ارتداء البدلة، بدلًا من الملابس العربية، فأجاب بأن القصة تعود إلى فترة عمله مذيعا في تلفزيون الكويت، حيث كانت الغترة والعقال لا تساعدانه في عمله فيتم إيقاف التسجيل المرة تلو المرة، وهو ما اضطر معه مسؤولو التلفزيون إلى استئذان وزير الإعلام آنذاك الشيخ جابر العلي السالم الصباح للسماح بإرتداء البدلة، فوافق رحمه الله، ومذاك وهو مرتبط بالبدلة.

حصل الحربان على عدد من التكريمات خلال مشواره مع التعليق الرياضي. فقد تم تكريمه في دورات الخليج (16) و(17) و(18) منذ عام 2004 إلى 2007. وتم تكريمه في اليوم الأولمبي عام 2007، وفي عام 2009 كرمه الشيخ عبدالله الحمدان في الكويت بحضور جمع من النجوم والقيادات الرياضية على مستوى الوطن العربي.

وأخيرًا فإن نصيحة شيخ المعلقين للمعلقين الجدد نختصرها فيما قاله في ملتقى الحوار الخليجي للإعلام الرياضي بصلالة وهي ضرورة أن يصنع المعلق لنفسه شخصية مستقلة، ويتميز بأسلوب وأداء مختلف، وألا يقلد أحدًا.