الفولكلور الجديد، وفق ما أظهرته الاستشارات الملزمة لتسمية رئيس حكومة مكلف هو وفرة الكتل النيابية. كتل على مدّ عينك والنظر. أحلاها كتلة «الجماعة الإسلامية» المؤلفة من نائب واحد هو عماد الحوت الذي سمى نجيب ميقاتي، وكتلة «مشروع وطن الإنسان» التي ضمت النائبين نعمة افرام وجميل عبود، ولم يتفقا على تسمية واحدة. ناهيك عن كتلة «جمعية المشاريع» التي توافق نائباها طه ناجي وعدنان طرابلسي على تسمية ميقاتي... وقس على ذلك.

كتل بالمفرق والجملة، لا يبدو مفهوماً لماذا تكتلت في الأساس، وأي بعد سياسي تحمله وتبشر به، وهي فاقدة لألف باء التوافق؟

حتى أن أحد الظرفاء علّق على الأمر، فكتب أن «كتلة مؤلفة من نائب واحد اختلفت مع بعضها البعض».

وبدعة الكتل المفبركة من دون حيثيات، كانت قد بدأت مع إلحاق النواب العونيين سيزار أبو خليل وماريو عون وفريد البستاني بالمير طلال أرسلان تحت عنوان «كتلة ضمانة الجبل»، ومعها «كتلة النواب السنة المستقلين» التي كانت تضم إلى فيصل كرامي، عبد الرحيم مراد والوليد سكرية المحسوب على «حزب الله»، وعدنان طرابلسي من جمعية المشاريع وقاسم هاشم من «حركة أمل» وجهاد الصمد. وكان الهدف منها تكبير حصة الوزراء الذين جرى تجميعهم لخدمة أجندة «حزب الله» في حكومة سعد الحريري بعد انتخابات 2018.

وكلنا نذكر الأزمة التي اعترت تشكيل الحريري حكومته حينذاك، على الرغم من انخراطه في التسوية التي أوصلت ميشال عون إلى كرسي بعبدا، لينعم بمجد كونه رئيساً للجمهورية.

حينها كان اصطناع الكتل مرسومة أهدافه على النقطة والفاصلة. أما اليوم، فلا تظهر أهداف نمو الكتل النيابية وتكاثرها كالفطر، ولكن في إطار «الحركة بلا بركة».

بالتالي، من المتوقع أن تؤدي هذه الكتل، وتحديداً تلك المحسوبة على النواب الذين يصنفون أنفسهم سياديين ومستقلين عن المنظومة وتغييريين، إلى تشتت المعارضة، وتحويلها إلى معارضات متنافرة ومتنافسة، الأمر الذي يشكل «عائقاً أساسياً أمام قدرتنا على التغيير وسيحولنا من قوّة تغييرية إلى قوّة اعتراضية من دون تأثير» على ما أعلن رئيس «كتلة شمال المواجهة» ميشال معوض.

وهذا التشتت هو ما خدم ويخدم أحزاب المنظومة التي تجيد وحدة تكتلها، ويحقق أهدافها في فرض نفسها كأكثرية برلمانية تلعب على تناقضات الكتل المشرذمة وتتصيد أخطاءها وتضخمها وتلقي عليها تبعات الانهيار، وتصرف الانتباه عن ارتكاباتها المتواصلة.

والأهم، أن هذه الكتل التي أمل اللبنانيون من وصول أفرادها إلى الندوة البرلمانية ان تتحد وتتكافل وتتضامن لتصبح أكثرية تفرمل صفقات المنظومة ومحاصصاتها تحت خيمة مشروع «حزب الله» وفق مصلحة إيران، لا تملك فرصاً كثيرة، بعدما فوّتت فرصتين، الأولى في مجلس النواب مع انتخاب الرئيس ونائب الرئيس واللجان، والثانية بفرض تسمية موحدة لرئيس حكومة مكلف، ليتبقى لديها استحقاق ثالث وأساسي يحدد توجه لبنان لسنوات ست مقبلة مع انتخاب رئيس للجمهورية.

لذا، إذا تخلت كتل المستقلين والسياديين والتغييريين عن المشاريع الصغيرة والحساسيات الأصغر والطموح الخاص على حساب الشأن العام، وإذا توافقت، حينها لن يصبح انتخاب رئيس للجمهورية تحصيلاً حاصلاً وفق ما سوف يفرضه «حزب الله» لجهة انتخاب رئيس كالذي سبقه، فنبقى في جهنم أو يُسقِط لبنان في الفراغ كما حصل قبل انتخاب عون.