أكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في قمة جدة للأمن والتنمية السبت الماضي على أهمية الانتقال المتدرج من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة بناءً على الخيارات والأولويات لكل دولة من أجل مواصلة أمدادات الطاقة وتفادي الأزمات، كما أكد ولي العهد بأن السعودية ستعزز استثماراتها النفطية وستصل طاقتها الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يوميا بحلول 2027 وسيصل إنتاجها إلى 11 مليون برميل يوميا في أغسطس، فقد أدت الأزمة الجيوسياسية الحالية وشح معروض الطاقة وعدم القدرة على تلبية الطلب العالمي إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل حاد ومعدلات التضخم العالمية واحتمالية ركود اقتصادي عالمي، مما يثبت ضرورة التحول المتدرج من النفط إلى الطاقة المتجددة للمحافظة على أمن الطاقة العالمية.

وما زيارة السيد بايدن للسعودية، إلا إدراك من البيت الأبيض لمخاطر نقص إمدادات النفط وإنه لا ملاذ آمناً للولايات المتحدة الأميركية والمستهلكين الآخرين، إلا السعودية أكبر مصدر للنفط وطاقة إنتاجية وثاني أكبر احتياطي في العالم، فما زال المستهلك الأميركي غاضبا من ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية ومعدل التضخم الذي وصل إلى 9.1 %، مما أصاب بايدن بالقلق والخوف من خسارة حزبه لانتخابات الكونغرس النصفية في نوفمبر المقبل.

إن عليه مراجعة حساباته ودعواته إلى التخلص من النفط بحلول 2035 والتحول السريع إلى الطاقة المتجددة بخطى متسارعة لمكافحة الاحتباس المناخي دون مراعاة إمكانية التحول المتدرج وتوفر الاستثمارات. إن ما تشهده أسواق الطاقة العالمية من نقص في الطاقة هو نتيجة لهذه الدعوات المتعصبة التي ساهمت في تقليص الاستثمار في استكشاف وإنتاج النفط والطاقة التكريرية العالمية من قبل شركات النفط العالمية حتى الأميركية نفسها. كما أن تفادي الحلول السلمية وإشعال الحروب كما هو مع روسيا أكبر ثالث منتج للنفط في العالم أدى إلى ارتفاع أسعار النفط وتعميق أزمة الطاقة.

ولهذا تقود السعودية مجموعة أوبك+ بناءً على المعطيات الاقتصادية وليس السياسية للمحافظة على توازن أسواق النفط عند أفضل الأسعار للمستهلك والمنتجين وبما يعزز استثماراتها النفطية مستقبلا. وبما أن النفط سلعة استراتيجية وما زال يمثل أكبر مزيج في الطاقة، فلا بد من المحافظة عليه لاستكمال التحول إلى الطاقة المتجددة بعد عقود من الزمن. فلو لا اتفاق أوبك+ لحدث ما لا تحمد عقباه في أسواق نفط مضطربة وقد يتكرر ما حدث في 20 إبريل 2020 فائض في الإنتاج وبأسعار سلبية يتسبب في خروج العديد من الشركات ويتحول الفائض إلى عجز وارتفاع حاد في الأسعار على المدى الطويل أن لم يكن القصير، والذي سينتج عنه ركود اقتصادي عالمي لسنوات طويلة إن لم يكن لعقود.

إن على بايدن أن يدرك جيدا أن استمرار إمدادات النفط وأمن الطاقة العالمية يتطلب استراتيجية حاسمة وشاملة ضد البرنامج النووي الإيراني وصواريخه وميليشياته وليس مجرد اتفاق بأي سعر في مسار رئيسه السابق أوباما وعلى حساب أمن المنطقة واستقرارها، إن السعودية ودول الخليج والمنطقة تسعى إلى تحقيق مصالحها وأمنها ولن تنتظر طويلا فقد طال الانتظار وازدادت المخاطر في المنطقة أكثر مما سبق، فلم تعد فكرة النفط مقابل النفط قائمة في وقتنا الحاضر وإنما المصالح المشتركة هي التي تحدد أهمية العلاقات الدولية، وسيبقى نفط السعودية صمام الأمان للطاقة العالمية واستقرار الأسواق العالمية وقت الأزمات وتخفيف حدة ارتفاع أسعارها.