قبل أن يجمع الأمين العام ل"حزب الله" حسن نصرالله كلّاً من الوزيرين السابقين سليمان فرنجية وجبران باسيل، عشية الانتخابات النيابية، كان قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون قد جمعهما، على مدى سنتين، ضدّه.

بكّر فرنجية وباسيل الطامحان الى خلافة الرئيس ميشال عون في القصر الجمهوري، في إدراك مخاطر منافسة قائد الجيش اللبناني لهما، إذ بدا أنّه آخر مرجعية لبنانية تحظى باحترام المجتمع الدولي، الأمر الذي ترجمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في المرحلة التي كان فيها نجم لبنان السياسي بامتياز، باستقباله، في السادس والعشرين من أيّار/مايو 2021، في قصر الإليزيه.

وقد تعزّزت شكوك فرنجية وباسيل، الأسبوع الماضي، عندما أبدت البيانات الصادرة عن اللقاءات الثنائية التي عقدها الرئيس الأميركي جو بايدن، في السعودية، كما عن "قمة الأمن والتنمية" في جدّة، اهتماماً حاسماً بالجيش اللبناني، بالتزامن مع إعلان رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع استعداد أكبر كتلة نيابية مسيحية لانتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية اللبنانية.

ولكن هذا لا يعني أنّ فرنجية وباسيل قد سلّما بحظوظ قائد الجيش اللبناني، إذ إنّهما يُراهنان على أنّ الجهات التي تدعم انتقاله من مقر وزارة الدفاع في اليرزة الى القصر الجمهوري في بعبدا، سوف ترفع مستوى حذر "حزب الله" منه، فيرفضه بدعم كلّ من روسيا وإيران.

ولكنّ دخول موسكو على خط الانتخابات الرئاسية سوف يستنفر باسيل الذي يعرف أنّ حظوة فرنجية لديها أكبر بكثير من حظوته هو، الأمر الذي يدفع بعض اللبنانيين المقرّبين من روسيا الى القول إنّ مرشّحها الرئاسي هو سليمان فرنجية.

إلّا أنّ هذا لا يمنع باسيل من الإعتقاد بأنّ "حزب الله"، في لحظة الحسم، سوف يدعمه هو في مواجهة فرنجية، لأنّ الانتخابات النيابية هشّمت الحضور الشعبي لرئيس "تيّار المردة"، وتالياً، فهو لا يمكن أن يحظى بمشروعية طائفته إذا وقف ضدّه "التيّار الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية" معاً.
ولا مصلحة ل"حزب الله"، في هذه الحالة، بأن يوصل فرنجية الى القصر الجمهوري، إذ إنّ ذلك سوف يكوّن معارضة قوية ضد الرئيس الجديد للجمهورية وسوف تكون له تداعيات سلبيّة على "حزب الله".

ولم تؤسّس علاقة "حزب الله" ب"التيّار الوطني الحر" نفسها على قاعدة القناعة بمبادئ وطنية مشتركة، بل على قاعدة تبادل المصالح، ممّا يعني أنّه في حال عمل "حزب الله" على إيصال شخصية لا يرضى عنها الى رئاسة الجمهورية، فهو، على الأرجح، سوف ينتقل الى صفوف منتقدي الحزب، إذ إنّه لن يرضى بخسارة الموقع الرئاسي، بعدما أثبتت الانتخابات النيابية أنّه خسر تأييد شرائح واسعة من اللبنانيين، فيما أفقدته العقوبات التي أنزلتها الولايات المتّحدة الأميركية بجبران باسيل، الحضور الدّوليّ.

وهذا ما يخشاه فرنجية، إذ إنّ أوساطاً محسوبة عليه تبدي حذرها من "القرار الأخير" ل"حزب الله" الذي لم يكتفِ بعدم إعطاء أيّ وعد لفرنجية، فحسب بل فتح أبوابه لمجموعة من الشخصيات المارونية "المستقلّة" الطامحة، أيضاً.

وثمّة من يعتقد بأنّ "نقاط الضعف" التي يُعاني منها قائد الجيش اللبناني وفرنجية وباسيل، من شأنها أن تفتح الباب أمام شخصية لا تُقفل الطموحات المستقبلية أمام فرنجية وباسيل ولا تتسبّب بعرقلة المسار الذي تسلكه المؤسسة العسكرية، بحيث تكون هذه الشخصية "تقنية" ولا تحمل أيّ طموحات سياسية، ويمكن أن تحظى بموافقة الغرب والشرق، الأمر الذي يُعطي فرنسا دوراً مهمّاً في هذا المجال.

ولكن هل يسمح "حزب الله" في هذه المرحلة التي تشهد استقطابات إقليمية استراتيجية بإجراء انتخابات رئاسية لا توفّر لنهج "التهديد بالحرب" الذي يعتمده، غطاء واسعاً؟

لو أنّ الانتخابات الرئاسية سوف تجري في الأيّام القليلة المقبلة، لكان الجواب الأكثر ترجيحاً أنّ حظوظ الفراغ الرئاسي كبيرة جدّاً، مثله مثل حظوظ عدم تشكيل حكومة جديدة، لكنّ المعطيات لن تكون هي نفسها، مع دخول لبنان في المهلة الدستورية لهذا الإستحقاق المطلوب إنجازه لبنانياً وعربياً ودولياً.

وسوف تتوضّح الصورة، مع حلول أيلول/ سبتمبر المقبل، خلافاً لما هي عليه اليوم، ذلك أنّ الرؤية الإقليمية والدولية للبنان، تكون قد أظهرت نفسها، تماماً كما رؤية "حزب الله" لموقعه ودوره وآفاقه، وفي هذه الحال، فإن للصدام، إذا كان هو السائد، أحكامه وللهدنة، إذا فرضت نفسها، نتائج.
وعليه فإنّ الاهتمام، في هذا التوقيت، باستشراف مآلات الانتخابات الرئاسية، يصلح لترويج المواصفات أكثر ممّا يصلح لتكوين قرار.