بعد زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الشرق الأوسط، وتصريحه بأن الولايات المتحدة ما زالت موجودة ولن تترك فراغاً تملؤه الصين وروسيا، زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إيران، وعقدت قمة ثلاثية بين إيران وروسيا وتركيا. بعد هذه الزيارة، حذر البنتاغون والمتحدث باسم البيت الأبيض طهران من التقارب مع موسكو، على الرغم من العلاقة الوثيقة بين الجانبين منذ أعوام طويلة، لكن لماذا انتقدت واشنطن هذا التقارب أخيراً؟
على الرغم من أن زيارة الرئيس بوتين إلى إيران ناقشت ملفات عدة من الحرب السورية إلى اقتراح برعاية الأمم المتحدة لاستئناف صادرات الحبوب عبر البحر الأسود المحاصر من قبل روسيا، لكن التركيز الرئيس للزيارة كان على زيادة تعميق الشراكة بين طهران وموسكو.
هذه الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران، سعت الأخيرة إلى تعميقها، لا سيما بعد مجيء إبراهيم رئيسي وإعلان طهران سياسة التوجه شرقاً. ففي مارس (آذار) 2021، وقعت إيران "اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة" مدتها 25 عاماً مع الصين. وعام 2001، كانت روسيا وإيران وقعتا على معاهدة تعاون مدتها عشرة أعوام. والعام الماضي، قالت طهران إنها في مرحلة متقدمة من المناقشات للتوصل إلى اتفاقية شراكة استراتيجية مدتها 20 عاماً مع موسكو. وفي ظل التعاون في ملفات عدة لم تعترض واشنطن، إلا أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس قال أخيراً إن "إيران وحدت الآن مصيرها مع عدد صغير من الدول، التي لبست في البدء لباس الحياد لتدعم في نهاية المطاف الرئيس بوتين في حربه ضد أوكرانيا والشعب الأوكراني"، واعتبر أن هذا السلوك يمكن أن يجعل إيران في تبعية لدولة مثل روسيا، داعياً إياها إلى نسج علاقات اقتصادية جديدة مع دول أخرى في العالم.
جاءت تصريحات برايس لتعكس بشكل واضح عدم رضا أميركي سببه ما أعلنه البيت الأبيض منذ أسبوع، أن إيران تبيع لروسيا طائرات مسيّرة تستخدمها فى حرب أوكرانيا. وعلى الرغم من التناقض الأميركي الذي انعكس في الرفض العلني لبيع إيران الدرونز لروسيا، لم تنتقد الولايات المتحدة علناً انتقال هذه المسيّرات إلى الميليشيات التابعة لإيران في المنطقة، التي هاجمت بها منشآت حيوية خليجية في السعودية والإمارات.
وبعيداً من هذا التناقض الواضح في ما يخص السياسات الغربية ومتطلبات أمنها في مقابل المتطلبات الأمنية للشرق الأوسط، نجد أن إيران تستطيع أن تجد نفسها في موقف أقوى للتفاوض أمام واشنطن بشأن العقوبات والعودة إلى الاتفاق النووي، إذ أصدرت وزارة الدفاع الأميركية تحذيراً علنياً لطهران يوم الأربعاء ضد احتمال نقل مئات الطائرات من دون طيار إلى روسيا لاستخدامها في حرب الكرملين ضد أوكرانيا.
وزارت وفود روسية مرتين مطار كاشان جنوب طهران خلال الشهر الماضي للاطلاع على طائرات شاهد -191 وشاهد 129 من دون طيار، اللتين يمكن تجهيزهما بصواريخ دقيقة التوجيه.
وعلى الرغم من أن روسيا وإيران تحاولان فتح نوافذ لعلاقات استراتيجية أكبر تحت ضغط العقوبات الأميركية، إلا أنه يمكن لطهران أن تحاول استخدام روسيا كورقة مساومة مع الغرب، رافضة مبادرات موسكو العسكرية مقابل تخفيف العقوبات، ومن ثم قد نتوقع انفراجة قريبة في المفاوضات بين واشنطن وطهران بشأن الاتفاق النووي. لن تتجاهل إيران أنه في حين أن حظر مجلس الأمن الدولي لعام 2007 على شحنات الأسلحة التقليدية انتهى في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، لم يبِع الكرملين حتى الآن أي طائرات مقاتلة من طراز Su-35 وطائرات تدريب Yak-130 ودبابات T-90، أو نظام الدفاع الصاروخي أرض- جو المتقدم S-400 أو نظام الدفاع الصاروخي الدفاعي الساحلي المحمول K-300P Bastion.
كما لن تتجاهل موقف روسيا فى بداية اندلاع الأزمة الأوكرانية للتلويح بإمكانية تعطيل مفاوضات الاتفاق النووي معها. أي أنه في ظل علاقة "الأعدقاء" التي تتسم بها العلاقات الإيرانية الروسية، من المؤكد أن طهران لن تتخلى عن علاقتها بالمحور الشرقي المناهض لواشنطن، لكنها لن تضحي بالمساومة مع الولايات المتحدة لرفع العقوبات كي تتوجه نحو أوراسيا.
التعليقات