لم يصل يومًا الكرم الإيراني الذي يتولّى الأمين العام ل"حزب الله" حسن نصرالله توزيع بعضه من على المنابر الإعلامية، إلى مجلس الوزراء اللبناني، حيث تتُخذ القرارات اللازمة.

والحكومة ليست كيانًا محظورًا على "حزب الله"، بل هو، ركن أساسي فيها، فإذا اعترض على مكوّناتها حال دون تشكيلها، وإذا لم تتّخذ القرارات التي تناسبه، جمّد انعقاد مجلس الوزراء، وإذا نأى رئيس الحكومة بنفسه عن إرادته، وجد في رئيس الجمهورية بديلًا.

ومنذ العام 2008، لم يغب "حزب الله" يومًا عن تكوين الحكومة، بل هو خلافًا لخصومه الذين شاركوا حينًا وقاطعوا أحيانًا، سجّل وحلفاءه حضورًا متواصلًا، حيث تحكّموا بأكثريات مقرّرة.

وعلى الرغم من هذه الحال "الإندماجية" بين "حزب الله" والحكومة، فإنّ الكرم الإيراني الذي يجود به نصرالله من على المنابر، لم يصل، يومًا إلى مجلس الوزراء، لدرسه أو القبول به أو رفضه.

وفي هذا الإطار، يبرز موضوع الفيول الإيراني الذي أبدى نصرالله، قبل أيّام قليلة، استعداده لتزويد لبنان به مجّانًا، إذا وافقت الدولة.

وكان واضحًا أنّ طرح نصرالله هذا "أربك" أقرب المسؤولين إليه، فوزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فيّاض، رمى الموضوع على عاتق مجلس الوزراء الذي هو عمليًا، في حكم المنحل، إذ لا مجلس للوزراء في حكومة تصريف الأعمال، كما هي عليه حاليًا وضعية الحكومة التي يترأسّها نجيب ميقاتي.

"الإرباك" لا يعود الى أنّ طرح نصرالله "حشر" السلطة التنفيذية، بل إلى أنّ الرد على هذا الطرح، بما تقتضيه الموضوعية، من شأنه إظهار الأمين العام ل"حزب الله"، كما لو كان يبيع سمكًا في البحر، وهذا إمّا لا تجرؤ عليه القوى المدعومة من "حزب الله" أو لا ترغب به.

إنّ حاجة لبنان الغارق في الظلام الى مادة الفيول، قديمة، وهي ارتفعت الى مستويات غير مسبوقة، مع الإنهيار المالي والإقتصادي، في خريف العام 2019 ولكنّ موضوع توفيره من إيران، لم يدخل، يومًا في الحساب، ولم يطرحه أحد، بشكل جدّي، على مجلس الوزراء حتى يوم كانت البلاد تحت سلطة "حكومة حزب الله" برئاسة حسّان دياب.

وقد لوحظ أنّ رئيس "التيّار الوطني الحر" جبران باسيل، وفي حمأة معركة رئاسة الجمهورية التي انفتحت على مصراعيها في لبنان، ومع تكريس العقوبات الأميركية ضدّه وتوسّعها لتشمل مقرّبين جدًا منه، هو الذي وضع مادة الفيول الإيراني، يوم الجمعة الماضي، على مائدة نصرالله الذي افترشها، يوم الإثنين الماضي.

باسيل فعل ذلك، على الرغم من أنّه منذ سنوات طويلة هو الوزير الفعلي لوزارة الطاقة، إذ إنّه بعدما خرج منها عهد بها الى موثوق جدًّا بهم، ناهيك عن الدور الكبير الذي يلعبه في بلورة توجّهات وقرارات رئيس الجمهورية ميشال عون.

وبدل أن يدفع باسيل، يوم كان هناك مجلس للوزراء، بهذا الموضوع الى البحث الجدّي، إنتظر توقيتًا غير صالح لتكوين أيّ قرار، ليضع الموضوع على مائدة نصرالله الذي أقبل عليه بنهم.

عمليًا، لا قيمة فعلية لهذا الطرح، وهو لا يتخطّى حدود "الشعبوية" من جهة نصرالله وحدود "المناكفة" من جهة باسيل.

لقد أظهرت تجربة لبنان مع المازوت الإيراني الذي استقدمه "حزب الله" إلى لبنان أنّه كان جزءًا من الأموال التي لم يستطع "الحرس الثوري الإيراني" توفيرها نقدًا للحزب، وهو على الرغم من "مجّانيته" الدعائية بيع في الأسواق اللبنانية، وجرى توزيع جزء بسيط منه، في إطار محاولات "حزب الله" تعزيز مواقعه الشعبية والإنتخابية.

كما ظهر، بشكل لا لبس فيه، أنّ هذا المازوت الإيراني غير مطابق للمواصفات، إذ تسبّب بأعطال كثيرة، وصلت إلى حدود التسبّب بإحراق كثير من المحرّكات التي اعتمدته.

وما صحّ على المازوت الإيراني يصح أكثر على الفيول الإيراني، إذ إنّ المواصفات التي تفرضها محرّكات معامل الإنتاج الكهربائي لن تتطابق على الأرجح مع مكوّنات الفيول الإيراني.

وهذا يعني، أنّه في حال أُخرج الكلام عن هبة الفيول الإيراني من سياق الشعبوية، فإنّه يستحيل أن يدخل الى معامل الكهرباء في لبنان.

وفي هذا السياق، تبرز تجربة لبنان مع الفيول العراقي، إذ إنّ وزارة الطاقة، وبعدما أنجزت الاتفاق مع الحكومة العراقية، اضطّرت، بفعل عدم تطابق المواصفات، إلى إجراء عمليات تبديل لهذا الفيول مع دول ثالثة، بحيث كان الفيول العراقي يذهب الى الإمارات العربية المتّحدة التي كانت، في مقابله، تقدّم للبنان الفيول الملائم لمحرّكات معامل الإنتاج الكهربائي.

ولو صحّ أنّ إيران يمكن أن تهب لبنان الفيول، فإنّ اتفاقها معه يجب أن يحظى بموافقة دول ثالثة، حتى تأخذ هي هذه المادة وتعطي لبنان بديلًا مطابقًا للمواصفات.

وهذا النوع من الإتفاقيات لا يبدو متوافرًا في المرحلة الراهنة، فإذا قبل لبنان أن يُغامر مع إيران، على الرغم من العقوبات المفروضة عليها، فإنّ دولًا ثالثة، لن تجد مصلحة في أن تخوض غمار هذه المغامرة.

ولو صحّ افتراض البعض أنّ الفيول الإيراني "أنظف" ما يستخرجه العالم، وأنّ وعد نصرالله "أصدق" ما يمكن أن ينطقه لسان، فإنّ الكلفة غير المباشرة على اللبنانيين سوف تكون أكثر من المنافع، بالنظر لوضعيتي لبنان وإيران الدوليتين.

إنّ حاجة لبنان ليست الى شعارات "المناكفة" بل إلى خطط مستدامة، وليس إلى بيع اللبنانيين أوهامًا كتلك التي سبق أن اشتراها السيريلانكيون واستيقظوا على أعظم كوارثهم.

وتبدأ هذه الخطط بسد الثغرات الإصلاحية المطلوبة التي تحول دون تصديق البنك الدولي على تمويل الغاز المصري والكهرباء الأردنية، وبإزالة الأسباب "الأنانية" التي حالت دون إطلاق آلية تلزيم إنشاء معامل إنتاج كهربائي جديدة، وبالدفع إيجابًا نحو ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، بدل أن يتم الرد على كلّ تقدّم يسجّله الوسيط الأميركي على هذا المستوى، بالتهويل بحرب لم يتوقّف الإسرائيلي عن تجهيز جيشه ومجتمعه وإقليمه لها.