حبست رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي أنفاس العالم بينما كانت طائرتها تحط في مطار تايبه عاصمة تايوان، متجاهلة تحذيرات الصين من العواقب التي يمكن أن تترتب على زيارة أرفع مسؤول أميركي للجزيرة منذ 25 عاماً.

وبينما كانت قطع بحرية أميركية تجوب المحيط الهادئ لضمان أمن رحلة بيلوسي والوفد المرافق لها، حلّقت 21 مقاتلة صينية بمحاذاة المجال الجوي التايواني بينما كان الجيش الصيني يعلن حالة التأهب القصوى، ويتوعّد بإجراءات عسكرية ذات أهداف محددة.

لعل هذه هي المرة الأولى منذ عقود التي يرتفع فيها منسوب التوتر بين الصين والولايات المتحدة إلى هذا الحد، منذ تطبيع العلاقات بين البلدين عام 1979، وفي وقت ينشغل العالم بالحرب الروسية - الأوكرانية على الأراضي الأوروبية.

الزيارة التي أبقت بيلوسي الغموض محيطاً بها حتى ساعة هبوط الطائرة في مطار تايبه، كان سبقها تحذير الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال الاتصال الهاتفي مع الرئيس الأميركي جو بايدن الأسبوع الماضي، من أن "من يلعب بالنار سيحترق بها".

وليس بالضرورة أن يأتي رد الفعل الصيني فورياً أو انفعالياً، لكن حتماً لن تجعل بكين حدثاً بهذه الخطورة يمر بلا رد. وتجدر الإشارة إلى أن شي جينبينغ جعل من مسألة عدم التهاون في المسألة التايوانية، جزءاً أساسياً من سياساته. وبما أن الحزب الشيوعي الصيني يستعد لعقد مؤتمره العام في الأشهر المقبلة، فإن شي لا يمكنه أن يذهب إلى المؤتمر من موقع الضعف.

في قراءة أولى لما حدث، يمكن الاستنتاج بسهولة أن بيلوسي أرادت من خلال الزيارة الرقص على حافة الهاوية مع الصين، قبل ثلاثة أشهر من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وكل الاستطلاعات ترجح أن الحزب الجمهوري في طريقه إلى الفوز بمجلسيه.

لكن الحسابات المحلية لبيلوسي، كادت تفجر حرباً مؤجلة في آسيا وتهدد باندلاع أزمة دولية لا تقل خطورة عن الحرب الروسية - الأوكرانية.
ومع ذلك، كان رهان بيلوسي على أن المكاسب التي ستحققها من الزيارة تتجاوز أخطارها بكثير، لإدراكها أن الصين لن تتعجل الدخول في حرب ضد تايوان في الوقت الحاضر، لا سيما بعد التجربة الروسية في أوكرانيا.

إن عروض القوة الصينية رداً على الزيارة يمكن احتواؤها في الوقت الذي أظهرت فيه الولايات المتحدة التزاماً بالدفاع عن الجزيرة في مواجهة أي هجوم صيني، وفق ما قال الرئيس جو بايدن خلال جولته الآسيوية في أيار (مايو) الماضي. ثم إن أميركا تنشر ست حاملات للطائرات في المحيطين الهادئ والهندي، المنطقة الجيوسياسية التي تعتبرها الولايات المتحدة في عقيدتها للأمن القومي، العامل الذي يحسم لمن تكون زعامة العالم على مدى مئة عام مقبلة.

ليس تفصيلاً أن تهبط طائرة بيلوسي التي تمثل الدولة العميقة في الولايات المتحدة في تايوان، في رسالة تحدٍ للصين. لقد وضعت بيلوسي بكين أمام خيار فتح حرب لا يبدو أنها مستعدة لها في الوقت الحاضر، أو الاستمرار في جني فوائد الشراكة الاقتصادية مع أميركا.

بيلوسي هي أقدر من بايدن في تجسيد الرؤية الإستراتيجية لمستقبل أميركا وللتحدي الذي يشكله الصعود الصيني. ودلالات الزيارة أبعد ما تكون عن الارتجال أو العفوية.
إنها اختبار لقوة الصين غير الناعمة وللمدى الذي يمكن أن تذهب إليه بكين في ترجمة قوتها الاقتصادية، إلى فعل عسكري في منطقة بهذه الأهمية الإستراتيجية.

الكثير يتوقف الآن على كيف سترد الصين. وقد يتخذ هذا الرد أشكالاً غير تلك التي توقعتها بيلوسي عندما صممت على اختبار الصين. هناك جبهات عسكرية واقتصادية كثيرة مفتوحة في العالم، ويمكن لبكين أن ترد بطريقة تخالف التوقعات.