قصتي مع صحيفة "الرياض" كما قصة أي شاب نشأ وترعرع في المنطقة الوسطى من المملكة، تشكّل فكره وتوسعت مداركه وهو يعرف مصدراً موثوقاً للخبر ومرجعاً معتبراً للرأي، الصحيفة التي تجاوزت المناطقية إلى أن تكون الصحيفة شبه الرسمية للمملكة.

من قارئ يتلهف على التهام "كل" صفحاتها بعد أن ينتهي منها والده، الذي يحضرها كل يوم بعد أن ينتهي دوامه، إلى ذكريات ترقب تلكم الليلة الصيفية حتى الفجر خارج أسوار مقرها في حي الصحافة انتظاراً لصدور الطبعة الأولى؛ ليقرأ اسمه ضمن قوائم الناجحين في اختبار "الثانوية العامة"! إلى مشاركٍ خجول قبل أكثر من عشرين عاماً في صفحة مقالات القراء، تردد كثيراً قبل أن يرسل مقاله، ويسعد كثيراً حينما نشر أول مقال عام 1423هـ (2002م)، إلى كاتب أساسي أسبوعي في صفحتي "حروف وأفكار" منذ عام 1437هـ(2016م) وحتى اليوم، تُلكم الصفحات التي احتضنت -ولا تزال- كبار الكتاب والمفكرين السعوديين والعرب والعالميين، ممن قادوا مسيرة التطور ورحلة التحديث، وأضاؤوا فوانيس الفكر والثقافة، أضحى هذا الشاب عضو منبر قادة الرأي الأول في المملكة.

ليس من السهل النجاح بصحيفة ورقية في ظل تغيرات متتالية ومنافسة شرسة، لكنها "الرياض" وقيادة رئيس تحريرها الذهبي تركي السديري -رحمه الله-، الذي قفز بها إلى الصفوف الأولى على المستوى العربي، سواء من تميّز "دنيا الرياضة" بعناوينها الشبابية وسقف حريتها، إلى فصول معركة الحداثة على صفحات "ثقافة اليوم" منتصف الثمانينات، إلى إصدار سلسلة كتاب "الرياض" الشهرية منذ العام 1993م، ثم استقلال صفحات الاقتصادي في ملحق ضخم عام 2008م، أو صدور الطبعة الدولية عام 2003م، حتى أن عدد الصفحات كان يصل إلى 150 صفحة في بعض الأعداد! ناهيك عن نجاح بوابتها الإلكترونية منتصف 1998م، وإطلاق "الرياض الإلكتروني"، الذي كان قصة نجاح شباب سعودي تُدرس، كما قاد الصحيفة لتحقيق العديد من الجوائز الإقليمية والدولية.

هذه المتابعة الإخبارية للأحداث والثراء المعرفي في عرض وتحليل الموضوعات، مكّن "الرياض" أن تكون أحد أهم مصادر المعلومات عن المشهد الصحفي السعودي وتطوراته على مدى العقود الماضية، ما جعلها أحد الأركان الأساسية التي أجريت عليها بحثي لرسالة الماجستير في الإعلام عام 1433هـ (2012م)، بعنوان: "أطر معالجة الصحف السعودية لأزمة أنفلونزا الخنازير: تحليل مضمون لأربع صحف يومية"، والذي كان من نتائجه أن جريدة "الرياض" كانت الأولى في العمق المعرفي، وأيضاً في تخفيف هلع الجمهور خلال الأزمات الصحية مقارنة بالصحف السعودية الأخرى.

وها هي صحيفتنا "الرياض" تستمر في مسيرة نجاحها وتبلغ سنتها الستين، بامتداد خطوات التطوير التي لا تتوقف، وبالتزامها بالموضوعية والموثوقية التي لا تزال نبراس محرريها، كل الأماني أن نشهد الاحتفال بمئويتها وهي لا تزال تصدر، ولا تزال تواصل مسيرة التنوير والتقدم.