«الولايات المتحدة والصين تشبهان جارين يلاحمان داخل ورشة عمل في الفناء الخلفي بدون أحذية مطاطية، ويتطاير الشرر في كل مكان... وهناك كابلات غير معزولة تمر عبر أرضية خرسانية مبللة. ما الذي يمكن أن يحدث بشكل خاطئ؟ « هذا ما قاله كيفين رود، رئيس الوزراء الأسترالي السابق.

العلاقة الأمريكية-الصينية تحولت من تنافس ناعم إلى شرس ومواجهة جديدة لم تتشكَّل بعد.. فهل تنزلق الدولتان في فخ ثوسيديديس، الفيلسوف اليوناني القديم الذي حدّد السبب وراء ذهاب إسبرطة (أمريكا هنا) إلى الحرب مع أثينا (الصين) التي كانت تصعد وتنمو بقوة، بسبب خوف الأولى على بقائها، بحسب التحذير المشهور للبروفسور غراهام أليسون (جامعة هارفارد) الذي ساق أمثلة سابقة لفخ ثوسيديدس: بداية الحرب العالمية الأولى، حرب الخلافة الإسبانية، الحرب الأهلية الأمريكية، حرب الثلاثين عاماً الأوروبية بالقرن السابع عشر. ثمة استثناءات نادرة مثل تسليم بريطانيا إلى الولايات المتحدة التي بإلكاد تجنبت الحرب رغم بعض المعارك.

هل يمكن تجنب هذ الفخ؟ للأسف التاريخ لا يشجع ولا يقدم إرشادات لتجنب الاصطدام بين عملاقين متراجعين، وهو ما يمكن القول إنه وصف أفضل لكل من الصين والولايات المتحدة اليوم حسب رأي المؤلف الأمريكي إدوارد لوس والمحرر في صحيفة الفايننشال تايمز فالتراجع النسبي لأمريكا مفهوم جيداً، لأسباب ليس أقلها انقساماتها السياسية الداخلية؛ بينما تتراجع فرص استئناف الصين لمعدلات النمو المرتفعة في العقدين الأولين من هذا القرن، ويرجع ذلك أساسًا إلى المزيد من تنامي نسب الشيخوخة في السكان.

من يستطيع كسر هذا المأزق؟ يقول لوس إنه عندما يتعلق الأمر بجو بايدن وشي جين بينغ، وهما قائدا العالم الأكثر حاجة للقاء وجهاً لوجه ولكنهما لم يفعلا ذلك منذ أن تولى بايدن منصبه، فإن إجراءات التملص من اللقاء جديرة بالملاحظة من خلال غيابها، لا سيما في تايوان حيث لديهما رؤيتان متناقضتان؛ والشيء الغائب بشكل صارخ هو أي مبادرة سواء من جانب شي أو بايدن لتغيير الرواية. في خطابه الذي طال انتظاره حول الصين في مايو، قال أنطوني بلينكين، وزير الخارجية الأمريكي، إن الصين كانت الدولة الوحيدة في العالم التي لديها «النية» و «القدرة» على تغيير النظام الدولي. العديد من البلدان ستضيف أمريكا إلى تلك القائمة، فالولايات المتحدة تتبع القواعد التي أنشأتها فقط عندما تناسب أغراضها.

في كلتا الحالتين، جعلت أمريكا تشخيصها القاتم للصين واضحًا للغاية، وبالتالي تركز الدبلوماسية الأمريكية على الاقتراب من جيران بكين بدلاً من الضغط من أجل الحوار حسب لوس الذي يقول إنه: حتى لو كان بلينكين محقًا بشأن نوايا الصين، فإن هذا يجعل الدبلوماسية أكثر أهمية، وليست أقل.. قد تكون تكلفة سوء التقدير قاتلة، والمخاطر تتزايد.. هذا مسار خطير.. عندما يتجه قطاران إلى الاصطدام، يضعهما مشغل التبديل على مسارات مختلفة. للأسف، في الجغرافيا السياسية، الأمر متروك للسائقين لاتخاذ إجراءات مراوغة. في حالة الولايات المتحدة والصين، يشكك كل منهما في قدرة الآخر على قيادة القطارات. يقدم لنا التاريخ القليل من الأمل في أن حطام القطارات الذي يلوح في الأفق سيحل نفسه تلقائياً.

خبير سياسات شرق آسيا رايان هاس (جامعة ييل الأمريكية) مؤلف كتاب بعنوان «أقوى» (Stronger) مع عنوان فرعي: تكييف إستراتيجية أمريكا مع الصين في عصر الاعتماد المتبادل التنافسي، ينتقد طريقة الغرب بقيادة أمريكا في التنافس مع الصين من خلال إعاقتها أو منافستها بمشاريع مشابهة لمشاريعها، ويطرح بأنه على الرغم من أن المنافسة ستظل السمة المحددة للعلاقة، فإن كلا البلدين سيتأثران ببعضهما باستمرار، سواء أكان ذلك جيدًا أم سيئًا، ويحدد ذلك هو قدرتهما على التنسيق بشأن التحديات المشتركة التي لا يستطيع أي منهما حلها بمفرده، مثل الأمراض الوبائية والاقتصاد العالمي والتنمية وتغير المناخ ومنع انتشار الأسلحة النووية.

هاس يوضح أن أمريكا ستحقق نجاحًا أكبر في التفوق على الصين اقتصاديًا وتفوقها في مسائل الحوكمة إذا ركزت على تحسين وضعها في الداخل أكثر من محاولة إعاقة المبادرات الصينية وتحويلها إلى عدو، بل ينبغي تجديد مزايا أمريكا في منافستها مع الصين، ويتساءل هاس: «السؤال الأساسي الذي يواجه صانعي السياسة يجب ألا يكون ما إذا كان لدى الولايات المتحدة مبرر للشعور بالحق في سخطها، بل بالأحرى كيف يجب على الولايات المتحدة الرد على الإجراءات الصينية بطريقة تدفع الصين إلى أقصى حد في الاتجاه المفضل لأمريكا.» وبدوره يجيب بأن التاريخ الحديث للعلاقة مليء بأمثلة على الدبلوماسية الأمريكية التي تحرك الصين في الاتجاهات المفضلة لواشنطن بشأن قضايا محددة مرتبطة بالمصالح الأمريكية، مثل التنسيق الاقتصادي المكثف بينهما حول الأزمة المالية العالمية عام 2008 في تجنب الكساد الاقتصادي العالمي؛ ومثل تكثيف الدبلوماسية التي قادتها أمريكا، وحولت الصين من كونها معيقة في مؤتمر كوبنهاغن لتغير المناخ لعام 2009 إلى لاعب رئيسي في تأمين اتفاق مؤتمر باريس للمناخ عام 2015. كما تعاملت الصين إيجابيًّا مع الدبلوماسية الأمريكية المكثفة عندما انضمت إلى الاستجابة الدولية لوباء إيبولا عام 2014 وساعدت في بناء قدرات الصحة العامة في إفريقيا بعد ذلك.