في محاضرة لجوناثان بلو في أحد أكبر مؤتمرات برمجيات الألعاب، تكلم عن انحدار البرمجيات منذراً بأزمة مقبلة. ليس كلام جوناثان جديداً، لكنه مهم لأنه من المبرمجين المبادرين في برمجيات الألعاب.

وشهادته دلالة مهمة على أن مجتمع البرمجيات بدأ في إدراك التصدعات التي نتكلم عنها منذ زمن.

جانب من المشكلة أن مفهوم البرمجيات توارى خلف تقنيات ناشئة أخذت مكان الصدارة والاهتمام وهي في الأساس قائمة عليها. يوجد سباق محموم في الذكاء الاصطناعي أكثره قائم على آمال لم تتحقق بعد. تقنيات إنترنت الأشياء التي وعدت بتحولات كبرى قائمة على التطور الكبير في العتاد وسرعة الجيل الخامس، تبين اليوم أنها مواعيد عرقوب. لماذا تأخر تحقيق الوعود التي ظلت وعوداً لمدة طويلة لكنها تأخذ أشكالاً جديدة مع كل عقد؟

ما نعرفه اليوم أن البرمجيات تصل مع الوقت إلى درجة من التعقيد بحيث تقع في ما يعرف ببركة الوحل. مهما حاولت التحرك في بركة الوحل فأنت تزداد تعمقاً وتجذراً. وقد وردت شهادات عن برك الوحل في مجتمعات التواصل الاجتماعي من موظفين في شركات مهمة في صناعة السيارات عن جودة برمجياتها مما يدعو إلى القلق إن صدقت.

ولا شك أن المسألة وإن كانت فنية، فإن عوامل اجتماعية مرتبطة بالانحيازات الإدراكية تساهم في الانحدار الكبير. من أهم تلك الانحيازات القيمة الغارقة التي عرضت لها في مقالة سابقة. تنمو البرمجيات بسرعة، نمواً متدرجاً وعشوائياً أغلب الأحيان. وفي كل مرحلة من النمو يتوقف الفريق أو الشركة عند محطات للمراجعة لإعادة الهيكلة ثم تنمو من جديد إلى أن تستقر عند مستوى مرضٍ من النضج. مع الوقت تزداد القيمة المستثمرة وتضيق فرص التحول مهما كانت ضرورية.

توجد محاولات جادة للخروج من مأزق البرمجيات اليوم. وكان لدى مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ضمن برنامج الرؤية مساهمة في هذا الجانب. ولعلنا نرى مساهمات أخرى لتبني منهجيات جديدة للخروج من الطريق المسدودة التي انتهت إليها البرمجيات اليوم. الفرصة مواتية للريادة العالمية في صناعة البرمجيات فنحن موعودون بمنعطف تقني مهم مستقبلاً.

الذي أدركه جوناثان واختار لمحاضرته عنواناً مثيراً وهو (الحيلولة دون انهيار الحضارة) أدركه غيره وحذر منه مبكراً، وإن بإثارة أقل. هل نحن على شفا انهيار حضاري بسبب هذه المشكلة؟ لا أعتقد ذلك لسبب واحد. لن تصل البرمجيات إلى السيطرة التي تعد بها التنبؤات لأنها عاجزة عن النمو بالدرجة التي تجعل انهيارها كارثياً. المتوقع نتيجة للعيوب الفنية التي على كاهل الصناعة اليوم، أن تنمو ببطء يكبح من جماح التنمية حتى تخرج المشكلة عن نطاقها الفني التقليدي. عند ذلك من المتوقع أن تتجاوز الصناعة مشكلاتها الداخلية وتتنازل عن قناعاتها الراسخة.