تقلبات الأسعار تعد فرصة للمتداولين لتحقيق مكاسب، لكن التقلبات في أسواق النفط أصبحت مفرطة للغاية، ما دفع المتداولين إلى مغادرة الأسواق، وجعلت الأعمال أكثر صعوبة بالنسبة إلى عديد من الشركات التي تستخدم عادة التحوطات لتأمين بعض الاستقرار في الأسعار وهو أمر حيوي لعملياتهم. جاء ذلك وفقا لتحليل "رويترز" يشير إلى أن التقلبات اليومية لأسعار النفط أصبحت مفرطة للغاية لدرجة أن المتعاملين، مثل صناديق التحوط، بدأوا يغادرون أسواق النفط بأعداد كبيرة، حيث انخفض النشاط هناك إلى أدنى مستوى في سبعة أعوام. لقد أضرت هذه التقلبات بالشركات التي تحتاج إلى استقرار سوق الطاقة لعملياتها، ليس فقط شركات النفط والغاز، بل أيضا قطاع التصنيع والأغذية والمشروبات.

إذن، يبدو أن تقلب الأسعار هو أمر جيد فقط إلى حد معين، في حين أن التقلبات الآن هي في نطاق سعري يومي يبلغ خمسة أضعاف النطاق المعتاد. وفقا لتحليل "رويترز"، بين 24 شباط (فبراير) و15 آب (أغسطس) من هذا العام، بلغ متوسط النطاق اليومي لأسعار خام برنت 5.64 دولار للبرميل مقارنة بـ1.99 دولار للبرميل العام الماضي.
في هذا الجانب، أوضح أحد المحللين أن شركات النفط تتخوف من الإنفاق الرأسمالي بسبب التقلبات المفرطة في أسواق النفط. ولأنهم قلقون، فإن هذه الشركات تؤخر المشاريع التي يمكن أن تساعد على إعادة التوازن إلى سوق النفط. في الواقع، عندما تكون التقلبات عالية، تكون ثقة شركات النفط أقل في توقعات الأسعار. وفقا لبيانات جي بي مورجان، انخفض عدد العقود في السوق الآجلة بنحو 20 في المائة منذ بداية الأزمة الأوكرانية. وبلغ عدد العقود الآجلة لخام برنت في بداية آب (أغسطس) 1.802 مليون عقد، وهو أدنى مستوى منذ تموز (يوليو) 2015، وفقا لبيانات رفينيتيف أيكون Refinitiv Eikon.
في هذا الجانب، قال الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة، في مقابلة مع "بلومبيرج"، الأسبوع الماضي، "إن سوق النفط الورقي قد وقعت في حلقة مفرغة دائمة من السيولة الهزيلة للغاية والتقلب الشديد الذي يقوض الوظيفة الأساسية للسوق المتمثلة في الاكتشاف الفاعل للأسعار، وجعل تكلفة التحوط وإدارة المخاطر للمستخدمين الماديين باهظة." وأضاف، "يتم تضخيم هذه الحلقة المفرغة من خلال تدفق القصص التي لا أساس لها حول تدمير الطلب، والأخبار المتكررة حول عودة كميات كبيرة من العرض، والغموض وعدم اليقين بشأن الآثار المحتملة للحدود القصوى للأسعار، وعمليات الحظر، والعقوبات". وأشار مرة أخرى إلى القيود المفروضة على الطاقة الإنتاجية الفائضة، وأشار إلى أن مخاطر تعطل الإمدادات لا تزال كبيرة.
بالفعل، عند الحديث عن صناعة النفط، ليس تقلب الأسعار الحالي هو فقط ما يتعارض مع نمو الإنتاج المحتمل. لكن، أيضا عدم اليقين بشأن الطلب المستقبلي مع تسارع وتيرة الدفع نحو تحول الطاقة. في الواقع، أصبح التنبؤ بالطلب على النفط أكثر صعوبة وسط هذه التطورات. أدت التحركات الأخيرة التي اتخذها قادة بعض الحكومات لتحفيز المستهلكين على شراء مزيد من السيارات الكهربائية، في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى إيجاد حالة من عدم اليقين بشأن توقعات استمرار نمو الطلب على النفط الخام لعقود مقبلة - وهو أمر أساس لاقتصادات الدول المنتجة للنفط في جميع أنحاء العالم.
مع كل هذه الحوافز لكهربة قطاع النقل والتحول إلى الطاقة المتجددة، ازداد عدم اليقين بشأن توقعات الطلب على النفط. إضافة إلى ذلك، أدت هذه التطورات وغيرها، إلى قيام المحللين بإعادة التفكير في بعض فرضياتهم حول اتجاهات الطلب على النفط. كما هو الحال الآن، تتوقع شركات النفط والشركات الاستشارية مجموعة واسعة من النتائج المحتملة لتحول الطاقة.
على سبيل المثال، شركات مثل بريتيش بتروليوم، وشركات نفط أوروبية أخرى، توقعت أن يبلغ الطلب على النفط ذروته في وقت لاحق من هذا العقد ثم يبدأ في الانخفاض التدريجي. في المقابل، تتوقع "إكسون موبيل" أنه مع نمو عدد سكان العالم، ستزداد احتياجات العالم من الطاقة، ما يؤدي إلى زيادة الطلب على النفط 10 في المائة فوق المستويات الحالية في 2050. قد يجادل البعض بأن معظم شركات النفط الكبرى تشارك بشكل أو بآخر في تحول الطاقة، الأمر الذي قد يلقي بظلاله على مصداقية توقعاتهم للطلب على النفط. ومع ذلك، تظل الحقيقة أن عديدا من الحكومات عازمة على التحول إلى مرحلة انتقالية، مهما كانت التكاليف، وهذا يمثل ضغوطا على الطلب على النفط.
من المحتمل أن تكون دفعة تحول الطاقة الأخيرة في كل من أوروبا والولايات المتحدة قد جعلت حالة التقلبات المفرطة أسوأ من خلال إضفاء الضبابية على توقعات الطلب. في حين يمكن للجميع أن يرى بصورة واضحة أن الطلب على النفط، في الوقت الحالي، أقوى مما توقعه كثيرون، خاصة أن بعض محطات توليد الطاقة في أوروبا تحولت من الغاز إلى النفط بسبب ارتفاع أسعار الغاز. ضبابية توقعات الطلب هذه، أثبتت كثيرا ليس فقط للمضاربين لكن أيضا للاعبين الآخرين في سوق النفط. انخفضت العقود الآجلة للنفط بمقدار الخمس منذ الأزمة الأوكرانية، حيث على ما يبدو سئم المتداولون من تأرجح الأسعار من شح المعروض ومخاوف التضخم.
ما يخبئه المستقبل - كما هو الحال دائما - من المستحيل تحديده، لكن من غير المرجح أن يتغير وضع الأسعار في أي وقت قريبا. هذا يعني أن التأثير السلبي لتقلب الأسعار هذا في الشركات سيستمر، ما يؤدي إلى استمرار تأرجح أسعار النفط. ستستمر الدول في احتياجها إلى الطاقة التي تعاني نقصا في المعروض، لكن الأسعار المرتفعة لهذه الطاقة ستستمر في تهديد آفاق نموها وآفاق نمو اقتصاداتها. في غضون ذلك، ستستمر الحكومات في ضخ الأموال والتشريعات في عملية تحول الطاقة، ما يثني صناعة النفط عن القيام بما هو مطلوب فيما يتعلق بالإمدادات.