الأمطار الغزيرة التي شهدتها منطقة الخليج مؤخراً ليست أمطاراً موسمية معتادة، بل إن فصل الصيف قائظ وجاف جداً في هذه الفترة من السنة في المنطقة بحسب قوانين الطبيعة التي عهدناها. ولكن هذه القوانين بدأت تتغير تغيراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة ليس في منطقتنا فحسب، بل في العالم أجمع. فيضانات وجفاف وتبخر أنهار ودرجات حرارة ترتفع بشكل غير معهود، كل ذلك بالطبع له مسبباته.

في تقرير مفصل نشرته الأمم المتحدة على موقعها الرسمي نقلاً عن «الهيئة المعنية بتغير المناخ/الآثار والتكيف وقابلية التأثر» وصدر في 28 فبراير 2022، نقرأ استنتاجات مفادها أن الإنسان هو المسؤول الأول عن متغيرات الطبيعة بسبب مايحدثه من اضطرابات ويعرض حياة مليارات البشر في مختلف أنحاءالعالم للخطر، وأن الجماعات البشرية والنظم الإيكولوجية الأقل قدرة على التكيف هم الأكثر تضرراً وعرضة لهذه المخاطر. فموجات الحر، والجفاف، والفيضانات أصبحت تفوق قوة تحمل النباتات والحيوانات، وتؤدي إلى موت أعداد هائلة من أنواع النباتات والحيوانات، بل وتجاوز الأمر إلى موت الشعب المرجانية داخل المحيطات والبحار، فضلاً عن عملية تحمض المحيطات.

وبسبب هذه الظواهر المناخية المتطرفة، فإن ملايين البشر اليوم عرضة للمجاعات والجفاف لانعدام الأمن الغذائي والمائي، لاسيما في أفريقيا وفي المنطقة القطبية الشمالية. ولإيجاد الحلول -المؤقتة على الأقل – فإن على الهيئات العالمية للمناخ والطبيعة المبادرة بإجراءات سريعة للتكيف مع تغيّر المناخ بدءاً بتحقيق انخفاضات سريعة وحادة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ومن المؤكد أن الفجوة تتسع يوماً بعد يوم بين الإجراءات التي تم إنجازها، وما هو مطلوب لمواجهة المخاطر المحدقة بالفئات السكانية المنخفضة الدخل.

من المهم أن تتوسع دائرة الوعي المجتمعي عالمياً لاحتواء خطر الانبعاثات والتغير المناخي الذي يجتاح العالم ومسبباته التي من أهمها الوقود الأحفوري(الفحم والغاز والنفط) وتصنيع البضائع التي تعتمد على حرق الوقود مثل صناعة الأسمنت والحديد والصلب والإلكترونيات والبلاستيك والملابس وغيرها من السلع. ومن الأسباب التي ساهمت بشكل كبير في التغيير المناخي قطع الغابات، حيث يتم تدمير ما يقارب 12 مليون هكتار من الغابات سنوياً، فتدميرها يحد من قدرة الطبيعة على إبقاء الانبعاثات خارج الغلاف الجوي، كما أن وسائل النقل باتت سبباً رئيسياً في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وخاصةً انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

فمعظم السيارات والشاحنات والسفن والطائرات تعمل بالوقود الأحفوري. وتمثل مركبات الطرق الجزء الأكبر من احتراق مشتقات البترول، مثل البنزين، في محركات الاحتراق الداخلي وتشكل ما يقارب من ربع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية المرتبطة بالطاقة، هذا بالإضافة إلى عملية الإنتاج الغذائي التي تعتمد على إزالة الغابات واستبدالها بالمزارع والمراعي واستخدام الطاقة لتشغيل معدات المزرعة أو قوارب الصيد، باستخدام الوقود كل ذلك يجعل إنتاج الغذاء مساهماً رئيسياً في تغير المناخ، وهنا يتعين علينا معرفة الآثار التي بدأت تظهر مؤخراً جراء العبث البشري وأهمها ارتفاع درجات الحرارة. تداعيات التغير المناخي تظهر اليوم في أوروبا، ممثلة في العواصف، وارتفاع حرارة المحيطات كمهدد طبيعي للثروة السمكية، وأيضاً الجفاف، ونقص إمدادات الغذاء، انقراض بعض الكائنات، المهددات والمخاطر الصحية، ارتفاع نسبة الفقر، والنزوح السكاني.

أخيراً.. ساهمت جائحة كوفيد 19 في إبطاء التقدم المستمر في تداعيات التغير المناخي، وهذا أكبر مؤشر على أن الإنسان بيده إصلاح الكوكب أو القضاء عليه!