مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، يحتدم تبادل الاتهامات بين الرئيس جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب. الأول يتهم الثاني بأن أتباعه من دعاة "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" هم "نصف فاشيين" وبأنهم "لا يزدهرون إلا بالفوضى والأكاذيب". ويرد الثاني عليه بوصفه بـ"عدو الدولة".
بات معروفاً أن ترامب يقود حملات المرشحين الجمهوريين للانتخابات النصفية، وفاز معظم المرشحين الذين يدعمهم في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الجمهوري، ولا يخفي الرئيس السابق اندفاعه للترشح في الانتخابات الرئاسية عام 2024. لذلك ستعتبر نتائج انتخابات الكونغرس بمثابة تمهيد لمعركة الرئاسة. ومن شأن فوز الجمهوريين بمجلسي الكونغرس، أن يقوي حظوظهم بالعودة إلى البيت الأبيض، ولا يظهر حتى الآن أن أياً من الشخصيات الجمهورية قادر على الوقوف في وجه ترامب الذي طغى على الجمهوريين التقليديين، وجعلهم أقلية معزولة تتحاشى المجاهرة برأيها. والجميع أخذ العبرة من ليز تشيني.
وينطلق بايدن في هجومه على ترامب بتحذير الأميركيين من أن الديموقرطية في الولايات المتحدة ستكون في خطر إذا فاز مرشحو ترامب الشعبويون في الكونغرس، ويضرب مثالاً على ذلك عملية اقتحام أنصار الرئيس السابق الكونغرس في 6 كانون الثاني (يناير) 2021 في محاولة لإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية.
وفي الأسابيع الأخيرة، تحسنت شعبية الحزب الديموقراطي، ربطاً بقرار المحكمة العليا الاتحادية التي حظرت الإجهاض، ذلك لأن الديموقراطيين هم من المؤيدين للإجهاض من مبدأ احترام الحرية الشخصية للفرد. كما أن أسعار البنزين عادت لتنخفض إلى المستوى الذي كانت عليه قبل حرب أوكرانيا، ولا يزال مؤشر البطالة متدنياً بينما يرتفع مؤشر الوظائف الجديدة. وفي السياسة الخارجية، التي قلما يعيرها الناخبون كبير اهتمام، يلعب بايدن ورقة دعم أوكرانيا "حتى النهاية" بالسلاح والأموال، ويقف في مواجهة الصين في مسألة تايوان ويعزز من الحضور العسكري والدبلوماسي للولايات المتحدة في المحيطين الهادئ والهندي، ويسعى أيضاً إلى التوصل إلى تسوية مع إيران تعيد إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، من دون الإفراط في تقديم التنازلات لطهران، تفادياً لمواجهة مع القادة الإسرائيليين، وحتى لا يثير مزيداً من الانزعاج لدى أصدقاء أميركا في الخليج.
وفي تقديرات مقابلة للتقديرات التي كانت تعطي الجمهوريين الأفضلية في الانتخابات النصفية، من الممكن استناداً إلى المعطيات الأخيرة أن يحدث الديموقراطيون مفاجأة وأن يحتفظوا بالغالبية في الكونغرس أو على الأقل في مجلس الشيوخ. وكانت خسارة المرشحة الجمهورية ساره بايلين في انتخابات فرعية في آب (أغسطس) الماضي في ولاية آلاسكا أمام المرشحة الديموقراطية ماري بيلتولا، من المؤشرات القوية الى انتعاش الديموقراطيين. وعلى رغم ذهاب ترامب شخصياً إلى إنكوريج لدعم بايلين، فإن الجمهوريين خسروا مقعداً كانوا يشغلونه منذ خمسين عاماً. وجدير بالذكر أيضاً أن ترامب فاز بولاية ألاسكا في الانتخابات الرئاسية عام 2020 بفارق 10 نقاط على بايدن.
وهذا تطور من شأنه أن يعزز حظوظ الديموقراطيين في الانتخابات الرئاسية عام 2024، وأن يقوي على الأقل من عزيمة التيار التقليدي في الحزب الجمهوري، فيتجرأ على تحدي ترامب في الانتخابات التمهيدية.
يبني الديموقراطيون آمالهم على تغير في مزاج الناخبين بعد قرار المحكمة العليا الاتحادية وفي ضوء انخفاض أسعار البنزين وأداء جيد لمؤشر الوظائف وعلى المواجهة التي يخوضها بايدن ضد روسيا والصين ومسعاه إلى إحياء الاتفاق النووي مع إيران.
ومع ذلك، يبقى باب المفاجآت مشرعاً على مصراعيه في الولايات المتحدة، التي تعيش انقساماً سياسياً يتحكم بكل مفاصل القرارات والخطوات المتخذة من جانب الديموقراطيين أو الجمهوريين.
التعليقات