ليس تفصيلاً عابراً أن تتحفنا القوى الأمنية بتوصيات تقضي بتوخي الحيطة والحذر في سياراتنا حتى لا نتعرض للسرقة والاعتداء.

وليس سؤالا يجد جوابه المنطقي والبديهي عن سبب تحول كل مواطن إلى مؤسسة أمنية خاصة ليحمي نفسه لأن لا أمن لدى الدولة السائبة.

ولا تنفع اجتماعات مجلس الأمن الداخلي المركزي أو المجلس الأعلى للدفاع ما دام مردودها إعلامياً فقط.

ولا تبشر بالخير نتائج تقييم النظام الغذائي في لبنان التي تظهر أن الأراضي المزروعة في لبنان تغطّي أقلّ من 25% من مساحة البلاد، ويُستخدم 25 % من إنتاجها بشكل أساسي للكفاف أو الاكتفاء الذاتي.

ولا أمل في بلد تعليمه الرسمي الابتدائي والثانوي والجامعي في موت سريري، بحيث لن يبقى لدينا إلا الأمية والتفاح والليمون الحامض لنصدرها إلى العالم.

وليس نزيهاً الهروب باستحضار الحرب مع إسرائيل للدفاع عن العزة والكرامة بدل السعي للعيش الكريم الذي وحده يضمن العزة والكرامة. وتحت هذه الحجة يتم تبرير كل الجرائم والارتكابات وتبييض أموال المخدرات وتجارة الأسلحة ..

ولا يستقيم التهويل بأن قوات حفظ السلام في جنوب لبنان (اليونيفيل) هي قوات احتلال، لأن القرار 2650 صوّب البوصلة باتجاه «نهاية المطاف» التي تستوجب حصر السلاح بمؤسسات شرعية للدولة اللبنانية، وكشف ما هو غير مستور من عدم الالتزام بالقرار 1701، وأدان الاعتداءات على هذه القوات تحت عنوان «عفوية الأهالي» الرافضين التعرض لـ»المقاومة» المفروض أن تبقى شمال الليطاني بسلاحها.

ولا تنفع حملات التجييش للالتحاق بمدرسة «المقاومة» التي لا تفتح أبوابها إلا لمن اصطفاهم الله وانتسبوا إلى حزبه وتباهى أهلهم بأنهم لا يعدّون أولادهم للمستقبل، ولا يهتمون بتأمين جواز سفر لهم، لأن السفر الوحيد المطلوب ركوبه هو الشهادة ووجهته الارتقاء إلى جنة خاصة، ليست كجنان الجماعات الأخرى.

كذلك لا ينفع الركون إلى مظلومية تتعرض لها طائفة العدد والمدد بفعل حملات محور إيران، لتندب تشظيها وتبكي على أطلال راعيها، وتبحث عن سوبرمان يحميها ويرفع الضيم عنها، لتستوي مع غيرها من المذاهب في توازن الرعب الطائفي الذي يجب أن لا نتحرر منه بالقضاء على فكرة الزعيم لنعود مواطنين أسوياء بالحد الأدنى.

وليس مضموناً الإصرار على المناداة بحقوق المسيحيين، والتلويح بالتقسيم والفيدرالية، و»نحن ندفع ضرائب... وهم لا يدفعون» و»المسلمون ينهبون بلدية بيروت على حساب المسيحيين»، و»نحن يجب أن نبقى الأقوى» من خلال الإمعان بتعطيل الاستحقاقات والتفنن في الفساد والسرقات واتهام الآخرين بما ترتكبه أيدي جماعة «ما خلونا» وتنفيذ بنود الأجندة لخدمة المحور وقلب الطاولة على الدستور لعل وعسى يكون المردود وفق التطلعات إلى كرسي بعبدا.

ولا تُقْنِع فبركات التهويل بشبكات الإرهاب الداعشية أو شبكات العمالة للعدو الصهيوني، لتبرير الاعتقال والتعذيب حتى الموت، وإلهاء الناس الذين لا يجيدون إلا التخندق في زواريب شد العصب الطائفي.

وأكثر من ذلك تبدو المناداة بالتوصل إلى الاتفاق على رئيس في «صفوف المعارضة» لإنقاذ لبنان، غرضية وغير مجدية، لأن الفرصة التي لم يتم استغلالها كانت في توحيد هذه المعارضة قبل الانتخابات النيابية للحصول على أكثرية موصوفة لا زغل فيها، وليس السعي للحصول على أكبر كتلة برلمانية في إطار التجاذب المقيت للأكثرية التمثيلية في الطائفة.

ولا نعرف ماذا سيخترعون بعد من أزمات تثبت الفوضى وتكرس الفراغ وتتجاهل أن البرنامج الإنقاذي للبلد دونه صراعات بين من يتناتشون الحصص في جثة لبنان، مع إهمال كامل وشامل لأهمية مقومات العيش مع توفير الأمن والأمان والمأوى والعلم والطبابة.

في الخلاصة. كل ما يطرح لا يحمل خيراً...

نحن في المجهول من جديد، ولكن هل نحتمل؟