في الثلث الأول من سبتمبر الحالي أجريت خمس عمليات لزراعة الأعضاء، وقد استضافتها مدينة الملك عبدالله الطبية في مدينة مكة المكرمة، وكانت كلها لشخص واحد متوفى دماغياً وافقت عائلته على التبرع بأعضائه، واستفادت من ذلك طفلتان عمرهما 10 و14 عاماً، وعشرينية وثلاثيني وسيدة قاربت الستين من عمرها، والطفلة صاحبة العشرة أعوام حصلت على قلب الرجل، ووصفت حالتها، قبل الزراعة، بأنها حرجة جداً، لولا تدخل العناية الإلهية، وقام مستشفى الملك فيصل التخصصي بعمليات مشابهة في 2020، وقبل هذا وفي 2019 نفذت ست عمليات زراعة قلب خلال 72 ساعة، وهو إنجاز تاريخي، فالحصول على القلب صعب، ويوجد في أميركا وحدها حوالي 100 ألف شخص على قوائم انتظار التبرع بالأعضاء، ويخسر الأميركيون 17 شخصاً كل 24 ساعة لأنهم لا يجدون الأعضاء التي يحتاجون زراعتها، ولهذا جاءت البدائل الحيوانية والصناعية لتحل محل الأعضاء الطبيعية، إلا أن نجاحاتها مازالت محدودة.

السويد تحاول أن تعالج المسألة بطريقتها، وقد أقرت قانوناً وتم العمل به في يوليو 2022، وفيه إلزام بضرورة التبرع بأعضاء المتوفى دماغياً دون أخذ موافقة عائلته، ما لم يصرح قبل وفاته بما يفيد رفضه أو قبوله التبرع، وفي المقابل يعتبر النظام السعودي للتبرع بالأعضاء، الصادر في 2021، أن تسجيل المتبرع لرغبته بالتبرع يأتي بمثابة الوعد الذي لا يجوز الرجوع عنه، وتمنح الدولة وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الثالثة، لمن يتبرع بأعضائه بصرف النظر عن جنسيته، ومعه مكافأة تحفيزية تزيد على 13 ألف دولار، وبمكن التبرع بالأعضاء عن طريق تطبيق توكلنا، وقد سجل خادم الحرمين الشريفين وولي عهده رغبتهما في التبرع، وهذه المبادرة الكريمة من القيادة السعودية، ساهمت في رفع أرقام المتبرعين من قرابة 4000 إلى أكثر من 550 ألفاً، وتضاعفت بالتالي بمعدل 180 مرة.

الدول الغربية تتعامل مع التبرع ومكافآته المشروعة بطرق مختلفة، وبعضها يمنح المتبرع بالدم ثلاث مئة دولار عن كل وحدة، ويعطي من يتبرع ببلازما الدم، بصفة دائمة، 400 دولار في الشهر، ومن يتبرع بنخاع العظام أو بالخلايا الجذعية يحصل على 3000 دولار مقابل كل عملية تبرع، ويمكن كذلك التبرع بحليب الرضاعة من قبل الأمهات وبقيمة 85 دولاراً لكل لتر، والأشخاص الأصحاء ممن يكثرون من تناول الألياف، يمكنهم أن يتبرعوا بالفضلات البشرية، على اعتبار انها تستخدم في علاج التهابات الأمعاء وفي استعادة توازنها، وسيتقاضون في المقابل 250 دولاراً لكل خمس عينات في الأسبوع.

منذ إنشاء المركز السعودي لزراعة الأعضاء، تمت زراعة أكثر من 14 ألف كلية، وما يزيد على 3000 كبد، و400 رئة، وفي حدود 450 زراعة قلب، ومعها 700 قلب تم استثمارها في زراعة الصمامات القلبية، والشخص إذا تبرع بكامل أعضائه يستطيع إنقاذ ثمانية أشخاص، علاوة لتعزيزه الأوضاع الصحية لقرابة 50 شخصاً نتيجة لتبرعه بأنسجته، ويوجد نظام في المستشفيات المحلية لتبادل الأعضاء بين الأسر، وهو عبارة عن قاعدة بيانات سيتم تعميمها على نطاق وطني، بجانب وجود منظمة عالمية لتأمين الأعضاء، تعرف اختصاراً باسم (أو بي أو).

وفق إحصاءات السجل العالمي للتبرع بالاعضاء وإزالتها لعام 2022، تشغل المملكة المركز الخامس عالمياً في عدد الزراعات من الأحياء، والمملكة تعتبر ضمن أعلى 10 % في العالم بالنسبة لزراعة القلب، والأولى في زراعة نخاع العظم لمرضى الأنيميا المنجلية، وهو مؤشر إيجابي ولكنه أقل من المطلوب ولا يؤمن، بحسب المختصين، إلا 15 % من الاحتياج المحلي الفعلي للأعضاء، بخلاف أن التبرع بالأعضاء من المتوفين دماغياً لا يتجاوز حالتين لكل مليون شخص، والرقم منخفض بطبيعة الحال، رغم أن التبرع بالأعضاء يدخل في باب إحياء النفس، ويعتبر صدقة جارية عن الشخص المتوفى طوال فترة حياة المستفيد، وربما كان من المناسب طرحها كخيار لمن يحكم عليهم بالقصاص، فالجسد سيأكله الدود ما لم يستفد إنسان آخر منه، ولن يتألم صاحبه أو يتغير مظهره بعد التبرع.

بالإضافة إلى أنه يغلق الباب أمام المنظمات الإرهابية والمافيا العالمية التي تتاجر بأعضاء الناس، وتستغل أماكن الصراعات والأطفال والنساء والفقراء في عملياتها، وهذه التجارة غير المشروعة يصل حجمها السنوي إلى ثمانية مليارات دولار، واستناداً لمجلة بي أم سي ميديكل اثيكس، يوجد أكثر من 90 ألفاً من الأقليات العرقية يتم إعدامهم في الصين سنوياً، وذلك بغرض بيع أعضائهم.. وفي تحقيق أجراه موقع فرانس برس 24، تم الوقوف في مدينة تينغيان الصينية، على مقبرة كبيرة مخصصة لموتى الدول العربية، ممن يأتون لزراعة الأعضاء غير القانونية وتفشل عملياتهم، وعندما تغيب الحلول الممكنة ويستبد اليأس، قد يلجأ بعض من يحتاج إلى التبرع لهؤلاء، ويشتري الأعضاء بأرقام فلكية، لمجرد رغبته في استعادة صحة قريب أو عزيز.