الثائرون في إيران لا يطالبون بإنصاف مهسا أميني فحسب بل يريدون كذلك التخلص من النظام، فالكثيرون يعارضون كل مظاهر الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومعظم الإيرانيين اليوم حتى بعض كبار رجال الدين يشعر أنه مسجون في هذه البلاد الواسعة، منذ أكثر من أربعين سنة دون أمل في الخروج إلا إلى المدافن أو السجون والمهاجر!
لم يتمتع الإيراني مثلا طوال هذه السنين بثروة إيران المالية، النفطية أو السياحية أو الدينية أو الزراعية، ولم يذق يوما ما تتمتع به دول مجلس التعاون أو حتى في الكثير من دول البترول الأخرى من رفاهية! كان من الممكن جدا كما قلنا أن تتحول إيران منذ عام 1990 أو 1995 أو سنة 2000 إلى دولة صناعية زراعية سياحية تجارية تعليمية طبية، من الثراء ووفرة الفرص، بحيث يكون دخل الفرد الإيراني الشهري آلاف الدولارات كما هي الحال في بعض دول الجوار وحتى آسيا، هل تصدق أن متوسط دخل الفرد في تايلند وهي بلا نفط ضعف دخل المواطن الإيراني، كان من الممكن أن توفر إيران العمل والرواتب للكثير من المهندسين والأطباء والفنيين الخليجيين والغرب وغيرهم، وتنتعش في اقتصادها كبرى شركات الأدوية والشركات الكيماوية والمؤسسات المالية الشهيرة، وكان من الممكن أن يكون المواطن الإيراني مضرب المثل في الغنى والرفاهية بدلا مما تتخبط فيه أغلبية مناطق إيران من فقر وتخلف وما يعانيه الإيراني من تعاسة اليوم، سبق أن قلنا هذا الكلام في مقالات سابقة، وذكرنا قدرة إيران على أن تكون تركيا الخليج على الأقل، وتركيا كذلك مثل تايلند كما ذكرنا لا تعتمد على تصدير النفط الخام، ولكن دخل المواطن التركي ثلاثة أضعاف الإيراني تقريبا، ولولا بعض مغامرات قيادة تركيا السياسية لارتقت إلى مستويات أعلى لكنها تبنت للأسف أوهام الإسلام السياسي وأحزابه وجرى لليرة والمصالح التركية ما جرى!
كان قائد الثورة الإيرانية الخميني صاحب خبرة كبيرة في الثورة والتحريض وهدم النظام القائم لكنه لم يكن يعرف ولا يريد أن يعرف كيف يبني نظاما اقتصاديا سياسيا حديثا وبخاصة بعد أن قرر أن يدير ظهره لشعارات الثورة ومطالب الديموقراطية ويبني بدلا من ذلك نظام رجال الدين والولي الفقيه ودولة الحزب الواحد المهيمن الذي نراه منذ 1979.
ولكن لماذا تجنب قائد الثورة بناء هذه الدولة الحديثة حتى لو أرشده أو ساعده من كان معه من قادة الثورة عام 1979 وما بعد ذلك من سنوات؟ لسبب بسيط واضح وهو أن الاقتصاد الحديث والمؤسسات السياسية الديموقراطية والمجتمع العصري لا مكان فيه إلا لعدد قليل جدا من عشرات ومئات الألوف من رجال الدين والشيوخ والفقهاء وطلبة الدراسات الدينية، ولا يمكن لأي برلمان أو مجلس قائم على انتخابات حرة أن يمتلئ بكل هذه الشخصات الدينية والعمائم وأن تتحكم بثروتها الوطنية ودخل النفط والمؤسسات الاقتصادية الدينية التي يديرها السيد علي الخامنئي الذي هو في نهاية الأمر أحد أصحاب الخميني وقادة الثورة.
التعليقات