بينما كان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يتحدث أمام منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويتحدث بغير واقعية لدرجة الشيزوفرينيا (فصام العقل) عن الشأن الإيراني، ويرفع صورة قاسم سليماني (قائد «الحرس الثوري» المقتول)، كانت الجماهير الغاضبة من ظلم النظام الإيراني في شوارع إيران تحرق صور قاسم سليماني وصور المرشد خامنئي في التوقيت نفسه، مع اختلاف المكان، فالاحتجاجات الأخيرة في إيران، إثر موت الشابة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى «شرطة الأخلاق» أدت إلى مقتل 31 شخصاً بنيران قوات الأمن، وبينما كان الرئيس الإيراني يتحدث أمام الجمعية العامة عن «الحريات» في إيران كانت قوات الباسيج و«الحرس الثوري» تحصد رؤوس مواطنيه في شوارع مدن إيران.

حقيقة الغضب الشعبي في الشارع الإيراني ليست وليدة مقتل الشابة مهسا أميني، بل نتيجة أزمات متراكمة داخلياً وخارجياً، لم ينجح النظام الإيراني في معالجتها، فاستخدم حبال المشانق في الشوارع حتى أصبحت إيران تتصدر دول العالم في تنفيذ عقوبة الإعدام للمعارضين لسياستها، وفق تقارير منظمة العفو الدولية، فالمشانق كانت دائمة الحضور كسياسة قمع ممنهجة لدى النظام الإيراني، بل مارس النظام عادته في الهروب إلى الأمام؛ ظناً منه أنه بصناعة أزمات جديدة تنتهي الأولى، أو بتصديرها للخارج، مما جعل إيران دولة منبوذة في محيطها وحتى العالم؛ بسبب تدخلها في صراعات إقليمية أشعلت نيرانها ولم تطفئها، كما هو الحال في اليمن والعراق ولبنان.

تكرار سلوكيات النظام الإيراني القمعية التي أصبح لها شهود من الداخل الإيراني، ولعل ما قالته السيدة رفسنجاني عن النظام الإيراني «إنه قتل من المسلمين أكثر مما فعلت إسرائيل»، ووصفت النظام بأنه ينهار من الداخل، فالنظام الإيراني يواجه اليوم الداخل الذي لم يستطع تحمل المعاناة؛ من قمعٍ، وتكميم أفواه، والكارثة التي تسبب فيها، في ظل فقر وجوع ومرض.

منذ مجيء الخميني، وما سمي ثورته، سعى النظام الإيراني إلى تصدير الأزمات الداخلية، فالنظام الإيراني المأزوم داخلياً وخارجياً، اعتاد على سياسة التصعيد والتصادم، فالنظام الإيراني المختبئ خلف «ديمقراطية» ولاية الفقيه عبر انتخابات مزورة، والتي ما هي إلا واجهة دعائية لنظام قمعي طائفي لا يؤمن بالديمقراطية والتنوع السياسي، لن ينتج سوى جلادين مؤهلاتهم هي القتل والقمع، مثل إبراهيم رئيسي وغيره الكثير.

مقتل الشابة الكردية على أيدي الحرس القمعي الإيراني، يؤكد أن النظام الإيراني لا يحترم حقوق الأقليات الكردية وحتى العربية، فأغلب الإعدامات من دون محاكمة كانت بين الأحوازيين العرب والأكراد وأي معارض لنظام ولاية الفقيه في إيران، التي رغم زعم سدنة النظام الإيراني وصفها وصبغها بالطابع الإسلامي، فإن التفرقة العنصرية بين من هو فارسي ومن هو غير فارسي واضحة في كل شيء بدءاً من المناصب الصغيرة وانتهاء عند المرشد والرئيس وأعضاء مجلس رعاية النظام «نظام ولاية الفقيه»، بل حتى مستشاري المرشد الذين جميعهم من الفرس، ولا مكان للعرب ولا الكرد، رغم أنهم مكونات أساسية في تركيبة الجمهورية الإيرانية.

النظام الإيراني لم يتوقف عند التمييز العنصري وفق العرق، بل تجاوزه إلى قمع الطوائف الدينية التي لا تنتمي إلى مذهب النظام ومرشده، بل منعت الطوائف الأخرى من ممارسة حقها في التعبد بحرية.

النظام الإيراني مارس سياسات تمييز عنصرية ودينية ضد مكوناته المجتمعية، رغم الزعم بأن إيران جمهورية إسلامية، بل قدم الإسلامية على إيران فقال النظام إنها «الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، بينما الحقيقة غير هذه، فالنظام عنصري وأشد عنصرية من نظام «الأبارتايد Apartheid» في جنوب أفريقيا زمن العنصرية قبل نهايته عام 1990.

النظام الإيراني يحاول الاختباء خلف أصبعه، مما يجعله دائماً مكشوفاً بل مفضوحاً أمام العالم؛ بسبب سياسات خاطئة يصر عليها الحرس القديم للخميني الذين لا يزال الكثير منهم ممسكاً بزمام الأمور في البلاد، ومنها هيئة «تشخيص مصلحة النظام» التي يمكنها عزل حتى المرشد إذا خرج عن خط سير «ولاية الفقيه» والمنهج الخميني، ولعل المرشد الحالي خامنئي قد يواجه مصير العزل، خصوصاً وهو يحاول توريث منصب المرشد لابنه، في خطوة محفوفة بالمخاطر داخل كواليس وأروقة نظام «ولاية الفقيه»، خصوصاً أن هناك كهنة الخميني.

النظام الإيراني سيجني الكوارث طالما لا يزال يمارس سياسة التجاهل للواقع المرير الذي يعيشه الشعب الإيراني والأقليات، من ظلم الباسيج و«الحرس الثوري» وحماية نظام وولاية الفقيه، وجميعهم يمارسون القمع لصالح بقاء النظام ولو على جثث الشعب.