من المؤسف أن يكون هناك في العراق من يلوذ بالصمت عن الاعتراض والتنديد بالاعتداءات الإيرانية المتكررة على العراق وشعبه، هذا إذا لم يكن هناك من يتفهم منهم حق إيران بأن تمارس هذا العدوان، وتستبيح الأراضي العراقية بالمسيرات، دون أن تجد أي مقاومة لهذا العدوان غير المبرر.

وفي المقابل فإن اعتداءات تركيا على العراق، وبالتزامن مع اعتداءات إيران لا تجد هي الأخرى صوتاً عراقياً حراً يندد بالعدوان، بل ويقاومه، كونه يعرِّض السيادة العراقية للخطر، ويجعل من العراق في حالة من عدم الاستقرار، والذهاب به إلى ما يعيق أمنه واستقراره وإشغاله عن تنميته.

وكما أن هذا يحدث بالعراق، وعلى رؤوس الأشهاد، فإن ما يجري في سوريا له ما يشابهه مما يجري في العراق، فإيران بترحيب من نظام بشار الأسد تتواجد بقوة في الأراضي السورية بالسلاح والرجال، مما جعل المدن السورية في وضع يومي لاستقبال الضربات الإسرائيلية الموجعة بسبب التواجد الإيراني المكثَّف في سوريا، وتزويد حزب الله اللبناني بالأسلحة الإيرانية مروراً من سوريا.

أما عن الجانب التركي الذي يواصل غزو وضرب المدن السورية بحجة القضاء على الأكراد الذين يشكِّلون خطراً وخطورة على أمن تركيا، فإن هذا العدوان يقابل بغض النظر عنه من القوات الروسية والأمريكية الغازية للأراضي السورية، بل إن روسيا وأمريكا تعلنان من حين لآخر عن تفهمهما لمخاوف تركيا من القوات الكردية.

هذا الوضع السوري - العراقي أمام هذا الثنائي التركي - الإيراني لا يمكن فهمه أو استيعابه، أو وجود مبرر له غير أنه استغلال للأوضاع في البلدين العربيين الشقيقين لممارسة الاعتداءات المتكررة تحت غطاء أن التعامل مع بغداد ودمشق يجب أن يكون بمثل ما يجري الآن.

أفهم أن للجار حقاً، وأن يكون التعامل معه بما يخدم الطرفين، لكني لا أفهم لماذا تستمر معادلة أن العدوان هو أفضل وسيلة لتحقيق مصلحة طرف على حساب طرف آخر، ولا أفهم لماذا يلوذ بالصمت الطرف الأضعف دون أن يبدي حقه في الاحتجاج ولو بالكلام، إلا أن يكون ذلك دليلاً على الاستسلام المذل، والتفريط بحقوق الدولة ومواطنيها.

هناك أخبار سارة تناقلتها وسائل الإعلام من أن العراق ملَّ من الصبر، وبدأ في الاستعداد لنشر قواته على طول الحدود مع إيران وتركيا، وهي بادرة تنم عن إصرار العراق على عدم التسامح مع أي عدوان جديد، بعد أن بلغ السيل الزبا في الاستهانة بالعراق وشعبه من إيران وتركيا.

لكن لا صوت في سوريا يعلو على صوت تركيا وإيران في الأراضي السورية، فتركيا تمهد لغزو بري قادم، وأمريكا تتفهم مخاوف تركيا، وروسيا بشّرتنا بأن الغزو قد لا يتم، بينما الطائرات المسيَّرة تواصل ضرباتها، فيما إيران لم تتوقف عن تصدير السلاح عبر سوريا إلى حزب الله في لبنان، وفي إيجاد قواعد عسكرية لها في أكثر من موقع في سوريا، وكأنها تحفِّز بذلك إسرائيل على الاعتداء المتكرر على سوريا، دون وجود أي اعتراض حتى من الميلشيات الإيرانية في سوريا.

أخلص من كل هذا إلى القول، إن المستقبل في الدولتين الشقيقتين سوف يومض عن خطوات جسورة لمقاومة أي عدوان، وأن ما أعلن عنه في العراق هو بداية لمرحلة جديدة من التصعيد ضد أي عدوان جديد، والأمل أن يكون هذا هو التحدي الذي يخلِّص دمشق وبغداد من الأذى الذي يعرِّض سلامة الدولتين للخطر.