استجاب رئيس الحكومة الماليزية اسماعيل صبري يعقوب لضغوط القوى السياسية الماليزية وقواعدها الشعبية من أجل الدعوة إلى انتخابات نيابية جديدة قبل موعدها المقرر في سبتمبر 2023، فحدد يوم 19 نوفمبر 2022 موعدا لذلك. وهكذا جرت الانتخابات التي طال انتظارها بتنافس 945 مرشحًا على 222 مقعدًا برلمانيًا وسط حالة من التفكك والانقسام السياسي لم تشهد له البلاد مثيلا منذ استقلالها عام 1957، وغضب شعبي من فساد الساسة وغلاء المعيشة وانخفاض الأجور ومشاكل الفيضانات المتكررة. هذا ناهيك عن عدم الرضا حيال أطول أزمة سياسية في تاريخ البلاد منذ عام 2020 حينما بدأ تنصيب رؤساء حكومات بقرار من ملك البلاد بعد مشاورات مع الكتل السياسية البرلمانية، وليس من خلال الانتخاب الشعبي المباشر كالمعتاد.

وكما توقع المراقبون أسفرت نتائج الانتخابات عن برلمان معلق لا يحتكم فيه أي حزب سياسي على الأغلبية المطلقة التي تسمح له بالحكم دون الدخول في تحالفات وإئتلافات صعبة، ما تسبب في احباط شعبي بقرب انتهاء حالة عدم اليقين السياسي وأزماتها. كما أنها حفلت بمفاجآت أخرى لعل ابرزها السقوط المدوي للزعيم الماليزي الأشهر مهاتير محمد، الذي توعد باستلام السلطة مجددا رغم متاعبه الصحية وتقدمه في السن (97 عامًا) واجباره على الاستقالة سنة 2020 بعد اتهام المعارضة له بالخيانة. فقد خسر مقعده النيابي الذي احتفظ به منذ عام 1964، ومني بصدمة لم يتوقعها، ما عكس توجهًا جديدًا في أوساط الناخبين البلغ عددهم 21 مليون نسمة بعد أن انضم إليهم هذه السنة نحو ستة ملايين ناخب جديد من الشباب في أعقاب تعديل سن الانتخاب من 21 سنة إلى 18 سنة.

المفاجأة الأخرى تمثلت في عدم حصول «تحالف الأمل» (PH) بقيادة زعيم المعارضة المخضرم أنور إبراهيم على الأغلبية اللازمة لتشكيل حكومة جديدة، رغم تفاؤله بتحقيق حلمه في قيادة ماليزيا، من بعد سنوات طويلة من الإذلال والمهانة والتخوين والسجن والاتهام بالشذوذ الجنسي على يد غريمه مهاتير محمد. حيث لم يحصل تحالفه إلا على 82 مقعدا فقط، أي أقل من العدد الذي يخوله قيادة ماليزيا بـ30 مقعدا. والمفاجأة الثالثة كانت نجاح حزب (PAS) الممثل لجماعة الإخوان المسلمين في الحصول على عدد معتبر من المقاعد البرلمانية.

أما المفاجأة الرابعة فقد تمثلت في تبدد أحلام رئيس الحكومة إسماعيل صبري يعقوب الذي كان يأمل بتعزيز نفوذه على رأس تحالف «باريسان ناسيونال» (BN) كي يتولى قيادة جبهة «المنظمة الوطنية المتحدة لشعب الملايو» (UMNO)، التي يعد (BN) أكبر فصائلها، بدلا من زعيمها الحالي أحمد زاهد حميدي.

لقد حاول يعقوب أن يبدو متواضع الطموح بقوله إنه لا يستهدف سوى أغلبية بسيطة مع استعداده للعمل مع تكتلات أخرى لتشكيل الحكومة المقبلة (ربما في إشارة إلى تكتل بيريكاتان ناسيونال (PN) بقيادة رئيس الوزراء السابق محيي الدين ياسين الذي كان شريكًا صغيرًا في حكومته)، لكن الذي حدث هو أن (PN) حصل على 73 مقعدًا، فحل ثانيًا في الترتيب بعد تحالف الأمل، بينما لم يحصل (BN) إلا 30 مقعدًا فقط.

وبما أن هذه هي المرة الأولى في تاريخ ماليزيا التي لم تفصح انتخاباتها النيابية عن فوز واضح لإحدى القوى السياسية المتنافسة، فقد تسارعت الجهود فورا لتشكيل ائتلاف بين القوى المتنافرة كي يحصل على مباركة ملك البلاد لتشكيل الحكومة الجديدة، حيث راح ياسين يغازل بعض الأحزاب الإقليمية الصغيرة في ولايات بورنيو وسراواك وصباح، طالبا منها الدخول في تحالف معه ليقود البلاد مجددًا، معلنا في الوقت نفسه أن نوابا منتمين إلى (BN) يدعمونه أيضا، وذلك قطعا للطريق أمام أنور إبراهيم الذي راح يفعل الشيء نفسه لذات الغرض. وبالتزامن صرح حميدي أنه يجري مفاوضات لتشكيل تحالف مع أنور إبراهيم ونواب (PH)، وأنه هو الأقرب لتشكيل الحكومة.

ويتخوف البعض من أن يؤدي تشكيل تحالفات سياسية في الغرف المغلقة بقصد حكم البلاد إلى التحاق بعض الشخصيات الانتهازية الفاسدة من أصحاب الأجندات الخاصة بها بقصد التهرب من قضايا مرفوعة ضدها. أحد هؤلاء هو أحمد زاهد حميدي زعيم (UMNO)، الذي تلاحقه قضايا فساد منذ مدة، ويعاني حزبه من انشقاقات واخفاقات كان آخرها حلول حزبه في المرتبة الثالثة في انتخابات هذا العام. والمعروف أن حميدي هو أول رئيس لـUMNO لم يتولَّ منصب رئيس الحكومة، وتركه لزميله يعقوب الذي يحتل المرتبة الثالثة في التسلسل الهرمي للحزب. بينما يتخوف البعض الآخر من احتمال لجوء بعض السياسيين، في سعيهم لحكم البلاد، إلى التحالف مع الأحزاب الإسلامية المتشددة مثل «بارتي إسلام سي ماليزيا» (PAS).

في 24 نوفمبر الجاري حسم ملك ماليزيا الأمر، من بعد مداولات طويلة، فكلف أنور إبراهيم بتشكيل الحكومة الجديدة ليحقق الأخير حلمه بقيادة البلاد، ربما بعد أن أقنع الملك أنه يحتكم على 111 صوتًا برلمانيًا مؤيدًا. غير أن كل المؤشرات تفيد باستمرار حالة عدم الاستقرار السياسي.