كان لافتاً أن يتحدث مبعوث البيت الأبيض إلى إيران روبرت مالي، يوم الأربعاء، إلى مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، ليعلن ما يمكن تفسيره أنه إعادة الاعتبار إلى الخيار العسكري الأميركي ضد إيران في حال فشل الجهود الدبلوماسية والضغوط والعقوبات في منع إيران من امتلاك السلاح النووي! فقد قال إنه إذا لم تنجح أي من الجهود، فإن الرئيس "كملاذ أخير سيوافق على الخيار العسكري إذا كان الأمر يستوجب ذلك لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي. هذا ما سيحصل لكننا لسنا هنا".

هذا الموقف مستجد وهو يأتي في خضم رفع واشنطن وتيرة المناورات العسكرية المشتركة مع الحلفاء في الشرق الأوسط، لا سيما مع إسرائيل. وقد كان واضحاً مدى جدية الموقف من خلال قيام الجيشين الأميركي والإسرائيلي بداية الأسبوع الجاري بتوزيع مشاهد مصورة لسرب طائرات حربية من البلدين خلال تحليقها في أجواء المنطقة في مناورة مشتركة.

وقد ظهرت في المشاهد الموزعة طائرات متقدمة تابعة لسلاح الطيران الإسرائيلي من طراز "اف -35" وأخرى من طراز "اف -15" تواكبها طائرة "بوينغ" مخصصة للتزويد بالوقود في الجو. ومعنى ذلك أن المناورات تجري في سياق التحضير لمهمات بعيدة المدى.

في مكان آخر، لا بد من التذكير أيضاً بقيام الجيشين الأميركي والإسرائيلي قبل نحو شهر بتوزيع مشاهد مصورة لعملية مواكبة إسرائيلية لقاذفيتن أميركيتين من طراز "بي -52" طارت ذهاباً وإياباً من إحدى القواعد الأميركية القريبة من البحر الأبيض المتوسط في اتجاه منطقة الخليج العربي، وقد تزامن الأمر مع توارد معلومات كشفت في الإعلام عن أن إيران تتحضر لمهاجمة المملكة العربية السعودية!

وفي هذا الإطار، لا بد لنا من أن نذكر أن جانباً من الخلاف الإسرائيلي - الأميركي منذ أن دخل الرئيس جو بايدن البيت الأبيض تركز على مسألة تخلي الولايات المتحدة عن طرح "الخيار العسكري ذي الصدقية" على الطاولة بمواجهة مواصلة طهران خرق التعهدات المنصوص عنها في الاتفاق النووي لعام 2015، والتي وصلت في الأشهر القليلة الماضية إلى حدود القيام بتخصيب مادة اليورانيوم إلى مستوى فاق نسبة 60 في المئة، إضافة إلى توافر معلومات تفيد باعتزام طهران قريباً رفع النسبة إلى مستويات الاستخدام العسكري، أي إلى ما يزيد عن 90 في المئة.

كان الخلاف الكبير بين تل أبيب وواشنطن يتمحور على رفض الأخيرة إحياء الخيار العسكري، وقد اعتبر الإسرائيليون أنه أدى إلى تشجيع الإيرانيين على مواصلة خرق القيود المفروضة على البرنامج النووي، من دون أن يخشوا ردود فعل تتجاوز إطاري الدبلوماسية والعقوبات. كل هذا في وقت بدت فيه طهران أكثر تصميماً على توسيع دورها السياسي والعسكري ضد الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً. وقد شكل تسليم إيران روسيا أعداداً من المسيّرات المفخخة من طراز "شاهد-136" لاستخدامها في حربها على أوكرانيا مؤشراً إلى أن طهران تعتزم الذهاب بعيداً في توسيع حلقة أدوارها المزعزعة للاستقرار، مستغلة الحرب في أوكرانيا من أجل تحييد موسكو نهائياً في ملفها النووي، نظراً إلى حاجة هذه الأخيرة إلى طهران في حربها المتعثرة ضد أوكرانيا والغرب. وهذا ما دفع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فان درلاين إلى إثارة موضوع برنامجي المسيرات والصواريخ الإيرانية اللذين تعمد الأوروبيون ومعهم الأميركيون تجاهلهما طويلاً خلال المفاوضات حول إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 في فيينا.

بالعودة إلى حديث روبرت مالي بشأن الخيار العسكري ضد إيران، لا بد من التوقف عند الشخص. فهو متهم عموماً، من خلال انتمائه إلى مجموعة مستشاري الرئيس الأسبق باراك أوباما ومساهمته عام 2015 في إتمام الاتفاق النووي، بأنه ينتمي إلى ذلك الفريق الذي يدافع عن "الخيار الإيراني" الذي اعتمده آنذاك أوباما، معتبراً أن إرثه للتاريخ سيكون الاتفاق النووي الإيراني وفتح صفحة جديدة من العلاقات مع إيران شبيهة بما حصل في سبعينات القرن الماضي في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر عندما طبعت واشنطن علاقاتها مع بكين تحت شعار ما سُمّي جوازاً "دبلوماسية كرة الطاولة" بين البلدين.

في مطلق الأحوال ليس ثمة مؤشرات إلى أن بايدن يميل إلى استخدام القوة ضد إيران، فالأمر أكثر تعقيداً من ذلك، لكن اقتراب هذه الأخيرة من مرحلة تصنيع قنبلة نووية بات أمراً جدياً يقلق الغرب وإسرائيل والحلفاء العرب في الشرق الأوسط. من هنا مسارعة الإدارة الأميركية إلى إظهار تصميمها على منع إيران من صنع قنبلتها النووية الأولى. ومن هنا أيضاً بدء إثارة موضوع برنامجي المسيرات العسكرية والصواريخ البالستية اللذين لم يتوقفا يوماً