هل هناك دورة حياة طبيعية لمنصات التواصل الاجتماعي: نمو بطئ يعقبه تزايد في النمو ثم قفزات فتباطؤ حتى يصل الذروة ثم يبدأ في الانحسار وربما يليه الاندثار؟ لعلنا نتذكر موقع ماي سبيس أول عمالقة التواصل الاجتماعي عندما بلغ ذروته بنحو 300 مليون مستخدم عام 2007، وها هو الآن لا يتجاوز بضعة ملايين مستخدم. ثمة مواقع أخرى تشابه حالته: أوركوت، بيبو، فاين..إلخ؛ كلها منصات سادت ثم بادت..

«كل ما عليك فعله هو النظر إلى مقبرة شبكات التواصل وسترى شواهد كثيرة بأنها ظاهرة حقيقية» حسب جو تايدي (محلل الشؤون السبرانية) الذي يستدرك ويوضح بأن فكرة دورة الحياة الطبيعية لشبكات التواصل مغرية، لكنها ليس قانوناً طبيعياً، فهناك شركات تواصل عملاقة جاءت وبقيت ولا زالت تزدهر مثل شركة ميتا وواتساب وانستجرام.. قد يكون نمو فيسبوك بلغ ذروته بالفعل، لكن لم تنخفض شعبيته في منصات الشركة الأخرى، أما تويتر فيبدو قريباً من الإغلاق أو من تحويل مستخدميه إلى منصات أخرى.

إذا عدنا للوراء لما قبل جائحة كورونا نجد أن كبار مواقع التواصل الاجتماعي، تم تعزيز ازدهارها أثناء فترة الإغلاق بسبب الجائحة وبقاء مليارات البشر في منازلهم.. لكن بعد ذلك شهد العالم ركوداً اقتصادياً وتضخماً وارتفاع أسعار الفائدة، وما عاناه من الحرب الروسية الأوكرانية، كل ذلك أثر في انخفاض الإعلانات التي تعتمد عليها منصات التواصل الاجتماعي.

خلال الأسابيع القليلة الماضية جرت تسريحات ضخمة سواء لدى عمالقة التكنولوجيا الإلكترونية مثل أمازون ونتفلكس، أو وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، في حين بلغت التسريحات في تويتر إلى حوالي نصف العاملين وسُحبت أسهمها من البورصة بعد أن اشتراها ماسك، وكانت قد تعرضت لخسائر مالية كبيرة قبل شراء ماسك الذي ربما فاقم الوضع المخاوف حيال التوجهات المستقبلية للمنصة تحت إدارة ماسك، والتي بالفعل تسبب في هجرة جماعية أخرى حسب تحليل معهد ماساشوستس للتكنولوجيا..

الملياردير إيلون ماسك المالك لشركة تويتر غاضب من شركة أبل لأنها أوقفت أغلب إعلاناتها في موقعه، ونشر تغريدات مهاجماً وساخراً فيها من أبل ويتهمها بممارسة «الرقابة» على تويتر بسبب طريقتها في حرية التعبير، كما أنها فرضت رسوماً على مبيعاتها عبر متجرها الخاص للتطبيقات «أب ستور». لكن ليست أبل وحدها، فقد أعلنت شركات من كبار المعلنين مثل تشيريوز وجنرال ميلز وفولكس فاجن، عن وقف إعلاناتها عبر تويتر. وأوضح موقع ميديا ماترز المختص بمواقع التواصل الاجتماعي، أن نصف كبار المعلنين على تويتر أوقفوا إعلاناتهم فيها.. وقد يرجع ذلك إلى القلق من أسلوب إدارة ماسك وقراراته الارتجالية وشخصيته الخلافية المشاكسة المثيرة للجدل وأسلوبه الفظ في التعامل مع الموظفين، التي ترى بعض الشركات أنها سلبية لإعلاناتهم التجارية..

ضربة أخرى موجعة ربما تتلقاها تويتر بعد تحذيرات من الاتحاد الأوروبي بأنها قد تتعرض للحظر ما لم تبذل جهداً ضخماً في مراجعة سياستها، لجعلها تتوافق مع قوانين الاتحاد الأوروبي الجديدة بخصوص فوضى حرية التعبير والمعلومات الكاذبة والتضليل، ووضع حد للإعلانات الموجهة.. إذ أن ماسك أوقف العمل ببعض الخوارزميات في تويتر مثل منع المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة بخصوص كورونا، وأعاد مستخدمي تويتر الذين سبق حظرهم لأسباب تخص خطاب الكراهية والعنف..

ليست تويتر وحدها، فثمة عمالقة آخرون، يواجهون الآن تحدياً كبيراً مثل فيسبوك الذي انخفض مستخدموه للمرة الأولى منذ تأسيسه قبل 18 عاماً، مع مطلع العام الحالي مما يعني انخفاض عائدات الإعلانات، كما أن شركة ميتا المالكة لمنصة فيسبوك تخلت عن أكبر عدد من الموظفين، حيث أقالت 11 ألف شخص. فهل بلغت تويتر وفيسبوك الذروة وبدأت مرحلة الانحسار؟

من ناحية تويتر، تميل المؤشرات إلى أن وضعه حرج وأن الانحسار بدأ فعلاً منذ فترة، أما فيسبوك فلا يبدو كذلك رغم مواجهته لصعوبات واضحة.. «من يحاول تحقيق أرباح في مجال التكنولوجيا في الوقت الحالي سيجد أن ذلك أمر صعب للغاية» حسب البروفيسور جوناثان ني خبير الإعلام والتكنولوجيا بجامعة كولومبيا بنيويورك، الذي يضيف أن منصات التواصل الاجتماعي «أصبحت بالأساس منافذ للإعلانات.. عندما تعتمد على تلك الأنواع من العائدات، فإن الركود الاقتصادي سيجعل بيئة العمل بالغة الصعوبة بالنسبة لك».

إذا كان الانحسار واقعاً، فهل بدأت النهاية لعملاقي التواصل تويتر وفيسبوك؟ «كل منصة تسير على منحنى النمو، ثم النضوج فالانحسار. الانحسار يعود في معظمه إلى أن هناك منصات جديدة تحل محلها»، حسب ناتالي بانغ خبيرة الإعلام الجديد بجامعة سنغافورة الوطنية (بي بي سي)، موضحة أن نمو فيسبوك وتويتر كان «أكبر بكثير مما يمكن أن تستوعبه السوق» خلال مراحل كورونا والإغلاقات والحجر الصحي وتقييد حركة الناس.. أما الآن، فقد حان وقت إعادة ضبط الأمور، على حد تعبيرها.

الخلاصة، أن تويتر تعاني من انحسار واضح ولا يبدو أنها ستعاود النمو بل ربما تُبطئ من انخفاضها في أحسن الأحوال؛ أما فيسبوك فلا يزال لديها رصيد هائل وهي لا زالت منصة التواصل الاجتماعي الأكثر شعبية بالعالم، لكنها بدأت تتراجع في عدد المستخدمين للمرة الأولى هذا العام ومعها تراجعت قيمة أسهمها..